(وَلَوْ قَذَفَ امْرَأَةً لَاعَنَتْ بِغَيْرِ وَلَدٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ) لِانْعِدَامِ أَمَارَةِ الزِّنَا.
فَقَالَ (وَمَنْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهُ) لِفَوَاتِ الْعِفَّةِ وَهِيَ شَرْطُ الْإِحْصَانِ، وَلِأَنَّ الْقَاذِفَ صَادِقٌ،
مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي وَلَدِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنَّهُ يَرِثُ أُمَّهُ وَتَرِثُهُ أُمُّهُ، وَمَنْ رَمَاهَا بِهِ جُلِدَ ثَمَانِينَ» أَشْكَلَ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ جَعَلُوا قَذْفَ الْمُلَاعَنَةِ بِوَلَدٍ كَقَذْفِ الْمُلَاعَنَةِ بِلَا وَلَدٍ (وَلَوْ قَذَفَ امْرَأَةً لَاعَنَتْ) بِغَيْرِ وَلَدٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الزِّنَا وَثُبُوتِ أَمَارَتِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: اللِّعَانُ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فِي حَقِّهَا فَكَانَتْ كَالْمَحْدُودَةِ بِالزِّنَا فَلَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا. أُجِيبَ بِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الزِّنَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الزَّوْجِ لَا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ فَهِيَ مُحْصَنَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ اللِّعَانَ فِي حَقِّهِ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا لَا إلَى غَيْرِهَا حَتَّى قَبِلْنَا شَهَادَتَهُ وَلَا يُعْلَمُ خِلَافٌ فِي ذَلِكَ، إلَّا أَنَّ لِلشَّافِعِيَّةِ فِي وَجْهٍ أَنَّهُ إذَا قَذَفَهَا أَجْنَبِيٌّ بِذَلِكَ الزِّنَا الَّذِي لَاعَنَتْ بِهِ لَا يُحَدُّ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ مُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يُحَدَّ الزَّوْجُ لَوْ قَذَفَهَا بَعْدَ اللِّعَانِ، لَكِنَّ الْمَنْصُوصَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يُحَدُّ بَلْ الْحَقُّ أَنَّهَا لَمْ يَسْقُطْ إحْصَانُهَا بِوَجْهٍ.
وَقَوْلُهُمْ اللِّعَانُ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فِي حَقِّهَا إنَّمَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يُحَدَّ قَاذِفُهَا لَوْ كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهَا الْحَدُّ وَجُعِلَ اللِّعَانُ بَدَلَهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الزِّنَا عَلَيْهَا مَعَ الْعَجْزِ عَنْ إثْبَاتِهِ لِيَسْقُطَ إحْصَانُهَا، وَإِنَّمَا هُوَ لِيَشْتَفِيَ الصَّادِقُ مِنْهُمَا حَيْثُ يَتَضَاعَفُ بِهِ عَلَى الْكَاذِبِ عَذَابُهُ بِأَنْ يُضَافَ إلَى عَذَابِ الزِّنَا عَذَابُ الشَّهَادَاتِ الْمُؤَكَّدَةِ بِالْأَيْمَانِ الْغَمُوسَةِ، أَوْ يُضَافَ ذَلِكَ إلَى عَذَابِ الِافْتِرَاءِ وَالْقَذْفِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِنَفْيِ الْوَلَدَ لِأَنَّ أَمَارَةَ الزِّنَا قَائِمَةٌ فَأَوْجَبَتْ ذَلِكَ، وَقَدْ أُوِّلَ قَوْلُهُمْ بِمَا لَا يَشْرَحُ صَدْرًا وَلَا يَرْفَعُ إصْرًا، فَالْحَقُّ أَنَّ كَوْنَهُ قَائِمًا مَقَامَ حَدِّ الْقَذْفِ فِي حَقِّهِ ظَاهِرٌ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى تَأْوِيلٍ وَأَمَّا الْجَانِبُ الْآخَرُ فَفِيهِ تَسَاهُلٌ لَا يَرْتَفِعُ، وَوُرُودُ السُّؤَالِ إنَّمَا هُوَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ كَلَامٌ حَقِيقِيٌّ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا وُرُودَ لَهُ
(قَوْلُهُ وَمَنْ وَطِئَ وَطْئًا حَرَامًا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ لَمْ يُحَدَّ قَاذِفُهُ لِفَوَاتِ الْعِفَّةِ وَهِيَ شَرْطُ الْإِحْصَانِ) شَبَّهَهُ بِالشَّرْطِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ بِحَيْثُ يَحْصُلُ عِنْدَهُ الْإِحْصَانُ بَلْ هُوَ مَجْمُوعُ أُمُورٍ الْعِفَّةُ أَحَدُهَا فَهُوَ جُزْءُ مَفْهُومِ الْإِحْصَانِ بِالْحَقِيقَةِ (وَلِأَنَّ الْقَاذِفَ صَادِقٌ) لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ زِنًا كَذَا قِيلَ، وَهُوَ قَاصِرٌ عَلَى مَا إذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute