قَالَ (وَالْعَبْدُ وَالْحُرُّ فِي الْقَطْعِ سَوَاءٌ) لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يُفَصِّلْ، وَلِأَنَّ التَّنْصِيفَ مُتَعَذِّرٌ فَيَتَكَامَلُ صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ.
(وَيَجِبُ الْقَطْعُ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُقْطَعُ إلَّا بِالْإِقْرَارِ مَرَّتَيْنِ) وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُمَا فِي مَجْلِسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِأَنَّهُ إحْدَى الْحُجَّتَيْنِ فَيُعْتَبَرُ بِالْأُخْرَى وَهِيَ الْبَيِّنَةُ كَذَلِكَ اعْتَبَرْنَا فِي الزِّنَا. وَلَهُمَا أَنَّ السَّرِقَةَ قَدْ ظَهَرَتْ بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً
دَرَاهِمَ فِضَّةٍ جِيَادٍ بِوَزْنِ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ أَوْ أَكْثَرَ سَوَاءٌ كَانَا فِي الْوَقْتِ كَذَلِكَ أَوْ لَا فَلَا اعْتِبَارَ لِلْوَقْتِ لِأَنَّهُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ فِيهِ السِّعْرُ، وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ قِيمَةِ غَيْرِ الْفِضَّةِ بِعَشَرَةٍ يَوْمَ السَّرِقَةِ وَوَقْتَ الْقَطْعِ حَتَّى لَوْ نَقَصَ الْقِيمَةُ وَقْتَ الْقَطْعِ عَنْ عَشَرَةٍ لَمْ يُقْطَعْ، إلَّا إنْ كَانَ النَّقْصُ بِسَبَبِ عَيْبٍ دَخَلَهُ أَوْ فَوَاتِ بَعْضِ الْعَيْنِ، فَعَلَى هَذَا إذَا سَرَقَ فِي بَلَدٍ مَا قِيمَتُهُ فِيهَا عَشَرَةٌ فَأُخِذَ فِي أُخْرَى وَقِيمَتُهَا فِيهَا أَقَلُّ لَا يُقْطَعُ، وَفِي قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ يُعْتَبَرُ وَقْتُ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْحِرْزِ فَقَطْ.
وَلَوْ سَرَقَ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِ عَشَرَةِ فِضَّةٍ تُسَاوِي عَشَرَةً مَصْكُوكَةً لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ النَّصَّ. وَهُوَ قَوْلُهُ «لَا قَطْعَ إلَّا فِي دِينَارٍ أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ» فِي مَحَلِّ النَّصِّ، وَهُوَ أَنْ يَسْرِقَ وَزْنَ عَشَرَةٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ دَلَالَةِ الْقَصْدِ إلَى النِّصَابِ الْمَأْخُوذِ، وَعَلَيْهِ ذُكِرَ فِي التَّجْنِيسِ مِنْ عَلَامَةِ النَّوَازِلِ: سَرَقَ ثَوْبًا قِيمَتُهُ دُونَ الْعَشَرَةِ وَعَلَى طَرَفِهِ دِينَارٌ مَشْدُودٌ لَا يُقْطَعُ، وَذَكَرَ مِنْ عَلَامَةِ فَتَاوَى أَئِمَّةِ سَمَرْقَنْدَ: إذَا سَرَقَ ثَوْبًا لَا يُسَاوِي عَشَرَةً وَفِيهِ دَرَاهِمُ مَضْرُوبَةٌ لَا يُقْطَعُ، وَقَالَ: وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الثَّوْبُ وِعَاءً لِلدَّرَاهِمِ عَادَةً، فَإِنْ كَانَ يُقْطَعُ لِأَنَّ الْقَصْدَ فِيهِ يَقَعُ عَلَى سَرِقَةِ الدَّرَاهِمِ، أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ كِيسًا فِيهِ دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ يُقْطَعُ وَإِنْ كَانَ الْكِيسُ يُسَاوِي دِرْهَمًا، وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ يَدٌ صَحِيحَةٌ حَتَّى لَوْ سَرَقَ عَشَرَةً وَدِيعَةً عِنْدَ رَجُلٍ وَلَوْ لِعَشَرَةِ رِجَالٍ يُقْطَعُ، بِخِلَافِ السَّارِقِ مِنْ السَّارِقِ عَلَى الْخِلَافِ وَأَنْ يُخْرِجَهُ ظَاهِرًا حَتَّى لَوْ ابْتَلَعَ دِينَارًا فِي الْحِرْزِ وَخَرَجَ لَا يُقْطَعُ، وَلَا يُنْتَظَرُ أَنْ يَتَغَوَّطَهُ بَلْ يَضْمَنُ مِثْلَهُ لِأَنَّهُ اسْتَهْلَكَهُ وَهُوَ سَبَبُ الضَّمَانِ لِلْحَالِ وَأَنْ يُخْرِجَ النِّصَابَ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَوْ أَخْرَجَ بَعْضَهُ ثُمَّ دَخَلَ وَأَخْرَجَ بَاقِيَهُ لَا يُقْطَعُ.
(قَوْلُهُ وَالْعَبْدُ وَالْحُرُّ فِي الْقَطْعِ سَوَاءٌ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يُفَصِّلْ) بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَلَا يُمْكِنُ التَّنْصِيفُ (فَيَتَكَامَلُ) وَهَذَا لِأَنَّ الْجِنَايَةَ مُوجِبَةٌ لِلْعُقُوبَةِ (صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ) وَالرِّقُّ مُنَصِّفٌ فَمَا أَمْكَنَ فِيهِ التَّنْصِيفُ نُصِّفَ عَلَيْهِ وَبِهِ يَحْصُلُ مُوجِبُ الْعُقُوبَةِ، وَمَا لَا كَمُلَ ضَرُورَةً وَإِلَّا أُهْدِرَ السَّبَبُ فِي حَقِّهِ، بِخِلَافِ الزِّنَا فَإِنَّ لَهُ حَدَّيْنِ الْجَلْدُ وَالرَّجْمُ، فَانْتَظَمَ النَّصُّ الْحُرَّ وَالْمَرْقُوقَ فِي الْجَلْدِ فَحَدُّهُ عَلَى نِصْفِ حَدِّ الْأَحْرَارِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ ثُمَّ شُرِعَ الْحَدُّ الْآخَرُ وَهُوَ الرَّجْمُ عَلَى الْأَحْرَارِ ابْتِدَاءً بِحَيْثُ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْأَرِقَّاءَ.
(قَوْلُهُ وَيَجِبُ الْقَطْعُ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ) وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ عُلَمَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُقْطَعُ إلَّا بِالْإِقْرَارِ مَرَّتَيْنِ) وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَزُفَرَ وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَيُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ اشْتِرَاطُ كَوْنِ الْإِقْرَارَيْنِ فِي مَجْلِسَيْنِ اسْتَدَلُّوا بِالْمَنْقُولِ وَالْمَعْنَى، أَمَّا الْمَنْقُولُ فَمَا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيِّ «أَنَّهُ ﵊ أُتِيَ بِلِصٍّ قَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute