للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَيُكْتَفَى بِهِ كَمَا فِي الْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ وَلَا اعْتِبَارَ بِالشَّهَادَةِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تُفِيدُ فِيهَا تَقْلِيلَ تُهْمَةِ الْكَذِبِ وَلَا تُفِيدُ فِي الْإِقْرَارِ شَيْئًا لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ. وَبَابُ الرُّجُوعِ فِي حَقِّ الْحَدِّ لَا يَنْسَدُّ بِالتَّكْرَارِ وَالرُّجُوعُ فِي حَقِّ الْمَالِ لَا يَصِحُّ أَصْلًا لِأَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ يُكَذِّبُهُ، وَاشْتِرَاطُ الزِّيَادَةِ فِي الزِّنَا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ.

اعْتَرَفَ وَلَمْ يُوجَدْ مَعَهُ مَتَاعٌ فَقَالَ مَا إخَالُكَ سَرَقْتَ؟ فَقَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَعَادَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَأَمَرَ بِهِ فَقُطِعَ» فَلَمْ يَقْطَعْهُ إلَّا بَعْدَ تَكَرُّرِ إقْرَارِهِ: وَأَسْنَدَ الطَّحَاوِيُّ إلَى عَلِيٍّ أَنَّ رَجُلًا أَقَرَّ عِنْدَهُ بِسَرِقَةٍ مَرَّتَيْنِ فَقَالَ: قَدْ شَهِدْتَ عَلَى نَفْسِكَ شَهَادَتَيْنِ. فَأَمَرَ بِهِ فَقُطِعَ فَعَلَّقَهَا فِي عُنُقِهِ.

وَأَمَّا الْمَعْنَى فَإِلْحَاقُ الْإِقْرَارِ بِهَا بِالشَّهَادَةِ عَلَيْهَا فِي الْعَدَدِ فَيُقَالُ حَدٌّ فَيُعْتَبَرُ عَدَدُ الْإِقْرَارِ بِهِ بِعَدَدِ الشُّهُودِ نَظِيرُهُ إلْحَاقُ الْإِقْرَارِ فِي حَدِّ الزِّنَا فِي الْعَدَدِ بِالشَّهَادَةِ فِيهِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا أَسْنَدَ الطَّحَاوِيُّ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ هَذَا سَرَقَ، فَقَالَ: مَا إخَالُهُ سَرَقَ، فَقَالَ السَّارِقُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ؛ اذْهَبُوا بِهِ فَاقْطَعُوهُ ثُمَّ احْسِمُوهُ ثُمَّ ائْتُونِي بِهِ، قَالَ: فَذَهَبَ بِهِ فَقُطِعَ ثُمَّ حُسِمَ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ. إلَى رَسُولِ اللَّهِ ، فَقَالَ لَهُ: تُبْ إلَى اللَّهِ ﷿، فَقَالَ: تُبْتُ إلَى اللَّهِ ﷿، فَقَالَ: تَابَ اللَّهُ عَلَيْكَ» فَقَدْ قَطَعَهُ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً، وَأَمَّا الْمَعْنَى فَمُعَارَضٌ بِحَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ وَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَدًّا فَهُوَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عُقُوبَةٌ هَكَذَا ظَهَرَ الْمُوجِبُ مَرَّةً (فَيُكْتَفَى بِهِ كَالْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ) وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى الشَّهَادَةِ فَمَعَ الْفَارِقِ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْعَدَدِ فِي الشَّهَادَةِ إنَّمَا هُوَ لِتَقْلِيلِ التُّهْمَةِ وَلَا تُهْمَةَ فِي الْإِقْرَارِ، إذْ لَا يُتَّهَمُ الْإِنْسَانُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ بِمَا يَضُرُّهُ ضَرَرًا بَالِغًا، عَلَى أَنَّ الْإِقْرَارَ الْأَوَّلَ إمَّا صَادِقٌ فَالثَّانِي لَا يُفِيدُ شَيْئًا إذْ لَا يَزْدَادُ صِدْقًا. وَإِمَّا كَاذِبٌ فَبِالثَّانِي لَا يَصِيرُ صِدْقًا فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي تَكْرَارِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَائِدَتُهُ رَفْعُ احْتِمَالِ كَوْنِهِ يَرْجِعُ عَنْهُ أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَبَابُ الرُّجُوعِ فِي حَقِّ الْحَدِّ لَا يَنْتَفِي بِالتَّكْرَارِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بَعْدَ التَّكْرَارِ فَيُقْبَلُ فِي الْحُدُودِ وَلَا يَصِحُّ فِي الْمَالِ رُجُوعُهُ بِوَجْهٍ (لِأَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ يُكَذِّبُهُ) فَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ، وَأَمَّا النَّظَرُ الْمَذْكُورُ: أَعْنِي اشْتِرَاطَ كَوْنِ الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا مُتَعَدِّدًا كَمَا فِي الشَّهَادَةِ بِهِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ، وَكَيْفَ وَحُكْمُ أَصْلِهِ وَهُوَ الزِّيَادَةُ فِي الْعَدَدِ مَعْدُولٌ عَنْ الْقِيَاسِ، فَالْوَاقِعُ أَنَّ كُلًّا مِنْ تَعَدُّدِ الشَّهَادَةِ وَتَعَدُّدِ الْإِقْرَارِ فِي الزِّنَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ ابْتِدَاءً لَا بِالْقِيَاسِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فُرُوعٌ مِنْ عَلَامَةِ الْعُيُونِ]

قَالَ أَنَا سَارِقُ هَذَا الثَّوْبِ: يَعْنِي بِالْإِضَافَةِ قُطِعَ، وَلَوْ نَوَّنَ الْقَافَ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ، وَالْأَوَّلُ عَلَى الْحَالِ. وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ قَالَ: سَرَقْتُ مِنْ فُلَانٍ مِائَةَ دِرْهَمٍ بَلْ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ يُقْطَعُ فِي الْعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَيَضْمَنُ مِائَةَ دِرْهَمٍ، هَذَا إذَا ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ الْمَالَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ رَجَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ بِسَرِقَةِ مِائَةٍ وَأَقَرَّ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَصَحَّ رُجُوعُهُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالسَّرِقَةِ الْأُولَى فِي حَقِّ الْقَطْعِ وَلَمْ يَصِحَّ فِي حَقِّ الضَّمَانِ.

وَصَحَّ الْإِقْرَارُ بِالسَّرِقَةِ الثَّانِيَةِ فِي حَقِّ الْقَطْعِ وَبِهِ يَنْتَفِي الضَّمَانُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ سَرَقْتُ مِائَةً بَلْ مِائَتَيْنِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>