(وَلَا قَطْعَ فِي أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ) لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ فَصَارَ كَبَابِ الدَّارِ بَلْ أَوْلَى، لِأَنَّهُ يُحَرَّزُ بِبَابِ الدَّارِ مَا فِيهَا وَلَا يُحَرَّزُ بِبَابِ الْمَسْجِدِ مَا فِيهِ حَتَّى لَا يَجِبُ الْقَطْعُ بِسَرِقَةِ مَتَاعِهِ. قَالَ (وَلَا الصَّلِيبِ مِنْ الذَّهَبِ وَلَا الشِّطْرَنْجِ وَلَا النَّرْدِ) لِأَنَّهُ يَتَأَوَّلُ مَنْ أَخَذَهَا الْكَسْرَ نَهْيًا عَنْ الْمُنْكَرِ، بِخِلَافِ الدِّرْهَمِ الَّذِي عَلَيْهِ التِّمْثَالُ لِأَنَّهُ مَا أُعِدَّ لِلْعِبَادَةِ فَلَا تَثْبُتُ شُبْهَةُ إبَاحَةِ الْكَسْرِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الصَّلِيبُ فِي الْمُصَلَّى لَا يُقْطَعُ لِعَدَمِ الْحِرْزِ، وَإِنْ كَانَ فِي بَيْتٍ آخَرَ يُقْطَعُ لِكَمَالِ الْمَالِيَّةِ وَالْحِرْزِ.
(وَلَا قَطْعَ عَلَى سَارِقِ الصَّبِيِّ الْحُرِّ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حُلِيٌّ) لِأَنَّ الْحُرَّ لَيْسَ بِمَالٍ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ الْحُلِيِّ تَبَعٌ لَهُ، وَلِأَنَّهُ يَتَأَوَّلُ فِي أَخْذِهِ الصَّبِيَّ إسْكَاتَهُ أَوْ حَمْلَهُ إلَى مُرْضِعَتِهِ.
سَرَقَ صَبِيًّا وَعَلَيْهِ حُلِيٌّ كَثِيرٌ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَيْسَ الْمَالَ. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ ثَوْبًا لَا يُسَاوِي عَشَرَةً وَوَجَدَ فِي جَيْبِهِ عَشَرَةً مَضْرُوبَةً وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا لَمْ أَقْطَعْهُ، وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ بِهَا فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا لِأَنَّ سَرِقَتَهُ تَمَّتْ فِي نِصَابٍ كَامِلٍ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: إنَّ السَّارِقَ إنَّمَا قَصَدَ إخْرَاجَ مَا يَعْلَمُ بِهِ دُونَ مَا لَا يَعْلَمُ بِهِ، وَإِذَا كَانَ عَالِمًا بِالدَّرَاهِمِ فَقَصْدُهُ أَخْذُ الدَّرَاهِمِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْهَا فَإِنَّ قَصْدَهُ الثَّوْبُ وَهُوَ لَا يُسَاوِي نِصَابًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مِثْلِهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الثَّوْبُ مِمَّا يُجْعَلُ وِعَاءً عَادَةً لِلدَّرَاهِمِ قُطِعَ وَإِلَّا لَا. وَهُنَا رُدِّدَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ ظُهُورُ قَصْدِ الْمَسْرُوقِ، فَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ قَصْدَ النِّصَابِ مِنْ الْمَالِ قُطِعَ وَإِلَّا لَا. وَعَلَى هَذَا فَمَسْأَلَةُ الْعِلْمِ بِالْمَصْرُورِ وَعَدَمِهِ صَحِيحٌ، إلَّا أَنَّ كَوْنَهُ يَعْلَمُ أَوْ لَا يَعْلَمُ وَهُوَ الْمَدَارُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْإِقْرَارِ، وَمَا تَقَدَّمَ هُوَ مَا إذَا لَمْ يُقِرَّ بِعِلْمِهِ بِمَا فِي الثَّوْبِ فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ حَتَّى يَكُونَ مَعَهُ دَلَالَةُ الْقَصْدِ إلَيْهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ كِيسًا فِيهِ الدَّرَاهِمُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لَمْ أَقْصِدْ لَمْ أَعْلَمْ.
(قَوْلُهُ وَلَا قَطْعَ فِي أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ لِعَدَمِ الْإِحْرَازِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقْطَعُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبُ مَالِكٍ لِأَنَّهُ مُحَرَّزٌ بِإِحْرَازِ مِثْلِهِ، وَكَذَا يُقْطَعُ عِنْدَهُمْ فِي بَابِ الدَّارِ، فَقِيَاسُهُ عَلَيْهِ مِنْ رَدِّ الْمُخْتَلِفِ إلَى الْمُخْتَلِفِ، وَالْوَجْهُ مَا قُلْنَا، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ إمَّا لَيْسَ مُحَرَّزًا أَوْ فِي حِرْزِهِ شُبْهَةٌ إذْ هُوَ بَادٍ لِلْغَادِي وَالرَّائِحِ وَمَعَهَا يَنْتَفِي الْحَدُّ، عَلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فِي مَقَامِ نَصْبِ الْخِلَافِ لِيُلْزِمَهُ ذَلِكَ بَلْ أَثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ عَلَى أُصُولِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَنْصِبْ خِلَافًا وَإِنَّمَا يُعْتَرَضُ بِذَلِكَ لَوْ نَصَبَ الْخِلَافَ. وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ فِي أَثْنَاءِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ مَتَاعِ الْمَسْجِدِ كَحُصْرِهِ وَقَنَادِيلِهِ لِعَدَمِ الْحِرْزِ، وَكَذَا لَا يُقْطَعُ فِي أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَالْأَصَحُّ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ لَا مَالِكَ لَهُ، وَبِهَذَا الْوَجْهِ يَنْتَفِي الْقَطْعُ فِي بَابِ الْمَسْجِدِ.
(قَوْلُهُ وَلَا فِي صَلِيبٍ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ وَلَا الشِّطْرَنْجِ) وَلَوْ كَانَ مِنْ ذَهَبٍ وَهُوَ بِكَسْرِ الشِّينِ بِوَزْنِ قِرْطَعْبٍ (وَلَا النَّرْدِ) لِأَنَّهُ يَتَأَوَّلُ مَنْ أَخَذَهَا الْكَسْرَ: أَيْ إبَاحَةَ الْأَخْذِ لِلْكَسْرِ (نَهْيًا عَنْ الْمُنْكَرِ) فَلَا يَجِبُ إلَّا ضَمَانُ مَا فِيهِ مِنْ الْمَالِيَّةِ، وَالصَّلِيبُ مَا هُوَ بِهَيْئَةِ خَطَّيْنِ مُتَقَاطِعَيْنِ، وَيُقَالُ لِكُلِّ جِسْمٍ صُلْبٍ (وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: إنْ كَانَ الصَّلِيبُ فِي مُصَلَّاهُمْ) أَيْ مَعَابِدِهِمْ (لَا يُقْطَعُ لِعَدَمِ الْحِرْزِ) لِأَنَّهُ بَيْتٌ مَأْذُونٌ فِي دُخُولِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ فِي حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ فِيهِ يُقْطَعُ لِأَنَّهُ مَالٌ مُحَرَّزٌ عَلَى الْكَمَالِ، وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَأْوِيلِ الْإِبَاحَةِ، وَهُوَ عَامٌّ لَا يَخُصُّ غَيْرَ الْحِرْزِ وَهُوَ الْمُسْقِطُ.
(قَوْلُهُ وَلَا قَطْعَ عَلَى سَارِقِ الصَّبِيِّ الْحُرِّ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حُلِيٌّ) يَبْلُغُ نِصَابًا، وَقَيَّدَ بِالْحُرِّ لِيَخْرُجَ الْعَبْدُ عَلَى مَا سَيَأْتِي. وَالْحُلِيُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute