وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُقْطَعُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ حُلِيٌّ هُوَ نِصَابٌ لِأَنَّهُ يَجِبُ الْقَطْعُ بِسَرِقَتِهِ وَحْدَهُ فَكَذَا مَعَ غَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا إذَا سَرَقَ إنَاءَ فِضَّةٍ فِيهِ نَبِيذٌ أَوْ ثَرِيدٌ. وَالْخِلَافُ فِي الصَّبِيِّ لَا يَمْشِي وَلَا يَتَكَلَّمُ كَيْ لَا يَكُونَ فِي يَدِ نَفْسِهِ.
(وَلَا قَطْعَ فِي سَرِقَةِ الْعَبْدِ الْكَبِيرِ) لِأَنَّهُ غَصْبٌ أَوْ خِدَاعٌ (وَيُقْطَعُ فِي سَرِقَةِ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ) لِتَحَقُّقِهَا بِحَدِّهَا إلَّا إذَا كَانَ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ هُوَ وَالْبَالِغُ سَوَاءٌ فِي اعْتِبَارِ يَدِهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُقْطَعُ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ وَلَا يَتَكَلَّمُ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ مِنْ وَجْهٍ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ،
بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ جَمْعُ حَلْيٍ بِفَتْحِهَا مَا يُلْبَسُ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ جَوْهَرٍ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُقْطَعُ إذَا بَلَغَ مَا عَلَيْهِ نِصَابًا لِأَنَّهُ يَجِبُ الْقَطْعُ بِسَرِقَتِهِ وَحْدَهُ فَكَذَا مَعَ غَيْرِهِ، وَالْخِلَافُ فِي صَبِيٍّ لَا يَمْشِي وَلَا يَتَكَلَّمُ) فَلَوْ كَانَ يَمْشِي وَيَتَكَلَّمُ وَيُمَيِّزُ لَا يُقْطَعُ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ فَكَانَ أَخْذُهُ خِدَاعًا وَلَا قَطْعَ فِي الْخِدَاعِ، وَحَيْثُ لَمْ يَذْكُرْ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي الْخِلَافَ عَنْ أَصْحَابِنَا وَمَنْ ذَكَرَهُ كَصَاحِبِ الْمُخْتَلَفِ ذَكَرَ أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يُقْطَعُ. قِيلَ كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَإِلَّا أَوْهَمَ أَنَّهُ مَذْهَبُهُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ عِنْدَهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ: يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ الْحُرِّ لِأَنَّهُ كَالْمَالِ.
وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا كَانَ كَمَا ذَكَرْنَا يَكُونُ هُوَ الْمَقْصُودَ بِالْأَخْذِ دُونَ مَا عَلَيْهِ وَإِلَّا لَأَخَذَ مَا عَلَيْهِ وَتَرَكَهُ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ، وَلَا قَطْعَ إلَّا بِأَخْذِ الْمَالِ فَلَا يُقْطَعُ وَإِنْ كَانَ إثْمُهُ وَعِقَابُهُ أَشَدَّ مِنْ سَارِقِ الْمَالِ. فَفِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ عَنْ رَبِّ الْعِزَّةِ ﷻ «ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أُعْطِيَ بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ عَمَلَهُ وَلَمْ يُوَفِّهِ أَجْرَهُ» لَكِنَّ الْقَطْعَ الَّذِي هُوَ الْعُقُوبَةُ الدُّنْيَوِيَّةُ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ شَرْعًا.
وَأَمَّا التَّأْوِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ قَصْدِ تَسْكِيتِهِ أَوْ إبْلَاغِهِ إلَى مُرْضِعَتِهِ فَبَعِيدٌ بَعْدَ فَرْضِ تَحَقُّقِ سَرِقَتِهِ الظَّاهِرِ مِنْهَا خِلَافُهُ (وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا سَرَقَ إنَاءَ فِضَّةٍ فِيهِ نَبِيذٌ أَوْ ثَرِيدٌ) أَوْ كَلْبًا عَلَيْهِ قِلَادَةُ فِضَّةٍ يُقْطَعُ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ الْإِنَاءَ تَابِعٌ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ فِي الْمَتْبُوعِ الْقَطْعُ لَمْ يَجِبْ فِي التَّابِعِ، وَاعْتِقَادِي وُجُوبُ الْقَطْعِ فِي الْإِنَاءِ الْمُعَايَنِ ذَهَبِيَّتُهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَا كَانَ، فَإِنَّ تَبَعِيَّتَهُ بِاعْتِبَارِ مَا فِيهِ لَا بِاعْتِبَارِ الْقَصْدِ بِالْأَخْذِ إلَيْهِ، بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَصْلٌ مَقْصُودٌ بِالْأَخْذِ، بَلْ الْقَصْدُ إلَيْهِ أَظْهَرُ مِنْهُ إلَى مَا فِيهِ لِأَنَّهُ يُتَوَصَّلُ بِمَالِيَّتِهِ إلَى أَضْعَافِ مَا فِيهِ، وَالْمَانِعُ مِنْ الْقَطْعِ إنَّمَا هُوَ التَّبَعِيَّةُ فِي قَصْدِ الْأَخْذِ لَا اعْتِبَارُ غَيْرِهِ وَلَا ظَاهِرَ يُفِيدُهُ، وَمَا يُوَافِقُ مَا ذَكَرْنَاهُ مَا فِي التَّجْنِيسِ مِنْ عَلَامَةِ الْعُيُونِ: سَرَقَ كُوزًا فِيهِ عَسَلٌ وَقِيمَةُ الْكُوزِ تِسْعَةٌ وَقِيمَةُ الْعَسَلِ دِرْهَمٌ يُقْطَعُ، وَكَذَا إذَا سَرَقَ حِمَارًا يُسَاوِي تِسْعَةً وَعَلَيْهِ إكَافٌ يُسَاوِي دِرْهَمًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ سَرَقَ قُمْقُمَةً فِيهَا مَاءٌ يُسَاوِي عَشَرَةً لِأَنَّهُ سَرَقَ مَاءً مِنْ وَجْهٍ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَبْسُوطِ فِيمَنْ سَرَقَ ثَوْبًا لَا يُسَاوِي عَشَرَةً مَصْرُورٌ عَلَيْهِ عَشَرَةٌ، قَالَ: يُقْطَعُ إذَا عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ مَالًا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ.
(قَوْلُهُ وَلَا قَطْعَ فِي سَرِقَةِ الْعَبْدِ الْكَبِيرِ) يَعْنِي الْعَبْدَ الْمُمَيِّزَ الْمُعَبِّرَ عَنْ نَفْسِهِ بِالْإِجْمَاعِ، إلَّا إذَا كَانَ نَائِمًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ أَعْجَمِيًّا لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ سَيِّدِهِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فِي الطَّاعَةِ فَحِينَئِذٍ يُقْطَعُ، ذَكَرَ الِاسْتِثْنَاءَ ابْنُ قُدَامَةَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ مَشَايِخُنَا، بَلْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لَا قَطْعَ فِي الْآدَمِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ سَوَاءٌ كَانَ نَائِمًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ أَعْجَمِيًّا، وَقَالُوا: هُوَ لَيْسَ بِسَرِقَةٍ، بَلْ إمَّا غَصْبٌ أَوْ خِدَاعٌ (وَيُقْطَعُ فِي سَرِقَةِ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ) الَّذِي لَيْسَ كَذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ، هَكَذَا حَكَى الْإِجْمَاعَ ابْنُ الْمُنْذِرِ مَعَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ: أَسْتَحْسِنُ أَنْ لَا أَقْطَعَهُ لِأَنَّهُ مَالٌ مِنْ وَجْهٍ آدَمِيٌّ مِنْ وَجْهٍ، فَصَارَ كَوْنُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute