(وَلَا قَطْعَ عَلَى خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ) لِقُصُورٍ فِي الْحِرْزِ (وَلَا مُنْتَهِبٍ وَلَا مُخْتَلِسٍ) لِأَنَّهُ يُجَاهِرُ بِفِعْلِهِ، كَيْفَ وَقَدْ قَالَ ﵊ «لَا قَطْعَ فِي مُخْتَلِسٍ وَلَا مُنْتَهِبٍ وَلَا خَائِنٍ»
فِيهَا كَالْحُصْرِ الْبَغْدَادِيَّةِ وَالْعَبْدَانِيَّةُ فِي دِيَارِ مِصْرَ والْإسْكَنْدَرانيَّة وَهِيَ الْعَبْدَانِيَّةُ. وَيُقْطَعُ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ بِالْحُصْرِ مُطْلَقًا. هَذَا وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: سَرَقَ جُلُودَ السِّبَاعِ الْمَدْبُوغَةِ لَا يُقْطَعُ، فَإِذَا جُعِلَتْ مُصَلًّى أَوْ بِسَاطًا يُقْطَعُ. هَكَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ؛ لِأَنَّهَا إذَا جُعِلَتْ ذَلِكَ خَرَجَتْ مِنْ أَنْ تَكُونَ جُلُودَ السِّبَاعِ لِأَنَّهَا أَخَذَتْ اسْمًا آخَرَ اهـ.
وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ غَلَبَةَ الصَّنْعَةِ الَّتِي يَنْقَطِعُ حُكْمُ الْجِنْسِ بِهَا أَنْ يَتَجَدَّدَ لَهَا اسْمٌ. وَعَلِمْتَ عَدَمَ الْقَطْعِ فِي الْحُصْرِ الَّتِي لَيْسَتْ بِنَفِيسَةٍ مَعَ تَجَدُّدِ اسْمٍ آخَرَ لَهَا فَلْيَكُنْ ذَلِكَ لِنُقْصَانِ إحْرَازِهَا حَيْثُ كَانَتْ تُبْسَطُ فِي غَيْرِ الْحِرْزِ أَوْ لِأَنَّ شُبْهَةَ التَّفَاهَةِ فِيهَا كَمَا قَالُوا إنَّهُ لَا يُقْطَعُ فِي الْمِلْحِ لِذَلِكَ؛ وَلَا يُقْطَعُ فِي الْآجُرِّ وَالْفَخَّارِ لِأَنَّ الصَّنْعَةَ لَمْ تَغْلِبْ فِيهَا عَلَى قِيمَتِهَا. وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ فِي الزُّجَاجِ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ يَسْرُعُ إلَيْهِ الْكَسْرُ فَكَانَ نَاقِصَ الْمَالِيَّةِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يُقْطَعُ كَالْخَشَبِ إذَا صُنِعَ مِنْهُ الْأَوَانِي، ثُمَّ إنَّمَا يُقْطَعُ فِي الْبَابِ الْمَصْنُوعِ مِنْ الْخَشَبِ إذَا كَانَ غَيْرَ مُرَكَّبٍ عَلَى الْجِدَارِ بَلْ مَوْضُوعٌ دَاخِلَ الْحِرْزِ. أَمَّا الْمُرَكَّبُ فَلَا يُقْطَعُ بِهِ عِنْدَنَا فَصَارَ كَسَرِقَةِ ثَوْبٍ بُسِطَ عَلَى الْجِدَارِ إلَى السِّكَّةِ، وَغَيْرُ الْمُرَكَّبِ لَا يُقْطَعُ بِهِ إذَا كَانَ ثَقِيلًا لَا يَحْمِلُهُ الْوَاحِدُ لِأَنَّهُ لَا يَرْغَبُ فِيهِ. وَنُظِرَ فِيهِ بِأَنَّ ثِقَلَهُ لَا يُنَافِي مَالِيَّتَهُ وَلَا يُنْقِصُهَا.
فَإِنَّمَا تَقِلُّ فِيهِ رَغْبَةُ الْوَاحِدِ لَا الْجَمَاعَةِ. وَلَوْ صَحَّ هَذَا امْتَنَعَ الْقَطْعُ فِي فَرْدَةِ حِمْلٍ مِنْ قُمَاشٍ وَنَحْوِهِ وَهُوَ مُنْتَفٍ، وَلِذَا أَطْلَقَ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي الْقَطْعَ فِي كِتَابِ الْجَامِعِ. وَفِي الشَّامِلِ فِي كِتَابِ الْمَبْسُوطِ: وَقَدْ مَرَّ أَنَّ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يُقْطَعُ فِي بَابِ الدَّارِ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ وَمُحَرَّزٌ بِحِرْزِ مِثْلِهِ فِيهِ وَحِرْزُ حَائِطِ الدَّارِ بِكَوْنِهِ مَبْنِيًّا فِيهَا إذَا كَانَتْ فِي الْعُمْرَانِ، وَمَا كَانَ حِرْزًا لِنَفْسِهِ يَكُونُ حِرْزًا لِغَيْرِهِ، وَهَذَا عِنْدَنَا مَمْنُوعٌ، وَلَوْ اُعْتُبِرَ مِثْلُهُ أَمْكَنَ اعْتِبَارُ الْحِرْزِ فِي كُلِّ شَيْءٍ.
(قَوْلُهُ وَلَا قَطْعَ عَلَى خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ إلَخْ) وَهُمَا اسْمَا فَاعِلٍ مِنْ الْخِيَانَةِ وَهُوَ أَنْ يُؤْتَمَنَ عَلَى شَيْءٍ بِطَرِيقِ الْعَارِيَّةِ أَوْ الْوَدِيعَةِ فَيَأْخُذَهُ وَيَدَّعِيَ ضَيَاعَهُ، أَوْ يُنْكِرَ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ وَدِيعَةً أَوْ عَارِيَّةً، وَعَلَّلَهُ بِقُصُورِ الْحِرْزِ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ فِي يَدِ الْخَائِنِ وَحِرْزِهِ لَا حِرْزِ الْمَالِكِ عَلَى الْخُلُوصِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ حِرْزَهُ وَإِنْ كَانَ حِرْزًا لِمَالِكٍ فَإِنَّهُ أَحْرَزَهُ بِإِيدَاعِهِ عِنْدَهُ لَكِنَّهُ حِرْزٌ مَأْذُونٌ لِلسَّارِقِ فِي دُخُولِهِ.
(قَوْلُهُ وَلَا مُنْتَهِبٍ) لِأَنَّهُ مُجَاهِرٌ بِفِعْلِهِ لَا مُخْتَفٍ فَلَا سَرِقَةَ فَلَا قَطْعَ (وَكَذَا الْمُخْتَلِسُ) فَإِنَّهُ الْمُخْتَطِفُ لِلشَّيْءِ مِنْ الْبَيْتِ وَيَذْهَبُ أَوْ مِنْ يَدِ الْمَالِكِ. وَفِي سُنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ عَنْهُ ﵊ قَالَ «لَيْسَ عَلَى خَائِنٍ وَلَا مُنْتَهِبٍ وَلَا مُخْتَلِسٍ قَطْعٌ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَسَكَتَ عَنْهُ ابْنُ الْقَطَّانِ وَعَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ وَهُوَ تَصْحِيحٌ مِنْهُمَا. وَتَعْلِيلُ أَبِي دَاوُد مَرْجُوحٌ بِذَلِكَ. وَقَدْ حُكِيَ الْإِجْمَاعُ عَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ لَكِنَّ مَذْهَبَ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ فِي جَاحِدِ الْعَارِيَّةِ أَنَّهُ يُقْطَعُ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ ﵂ «أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِقَطْعِهَا» وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ أَخَذُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ.
وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ بِأَنَّ الْقَطْعَ كَانَ عَنْ سَرِقَةٍ صَدَرَتْ مِنْهَا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ أَيْضًا مُتَّصِفَةً مَشْهُورَةً بِجَحْدِ الْعَارِيَّةِ فَعَرَّفَتْهَا عَائِشَةُ بِوَصْفِهَا الْمَشْهُورِ، فَالْمَعْنَى امْرَأَةٌ كَانَ وَصْفُهَا جَحْدَ الْعَارِيَّةِ فَسَرَقَتْ فَأَمَرَ بِقَطْعِهَا بِدَلِيلِ أَنَّ فِي قِصَّتِهَا «أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ شَفَعَ فِيهَا الْحَدِيثَ، إلَى أَنْ قَالَ: فَقَامَ ﵊ خَطِيبًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute