وَكَذَا إذَا سَرَقَ مِنْ تَابُوتٍ فِي الْقَافِلَةِ وَفِيهِ الْمَيِّتُ لِمَا بَيَّنَّاهُ.
(وَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّهُ مَالُ الْعَامَّةِ وَهُوَ مِنْهُمْ. قَالَ (وَلَا مِنْ مَالٍ لِلسَّارِقِ فِيهِ شَرِكَةٌ)
بِالْحَظِيرَةِ، فَلَوْ سُرِقَ شَيْءٌ مِنْهَا مِنْ شَيْءٍ مِنْهَا قُطِعَ، وَلَوْ سَرَقَ الدُّرَّةَ مِنْ إصْطَبْلٍ أَوْ مِنْ حَظِيرَةٍ لَا يُقْطَعُ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَصِيَّ إذَا كَفَّنَ صَبِيًّا مِنْ مَالِهِ لَا يَضْمَنُ لِوَرَثَتِهِ شَيْئًا فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُحَرَّزًا كَانَ تَضْيِيعًا مُوجِبًا لِلضَّمَانِ فَكَانَ أَخْذُ الْكَفَنِ مِنْ الْقَبْرِ عَيْنَ السَّرِقَةِ.
وَالْجَوَابُ أَوَّلًا مَنْعُ الْحِرْزِ لِأَنَّهُ حُفْرَةٌ فِي الصَّحْرَاءِ مَأْذُونٌ لِلْعُمُومِ فِي الْمُرُورِ بِهِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَلَا غَلَقَ عَلَيْهِ وَلَا حَارِسَ مُتَصَدٍّ لِحِفْظِهِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مُجَرَّدُ دَعْوَى أَنَّهُ حِرْزٌ تَسْمِيَةً ادِّعَائِيَّةً بِلَا مَعْنًى وَهُوَ مَمْنُوعٌ. وَلُزُومُ التَّضْيِيعِ لَوْ لَمْ يَكُنْ حِرْزًا مَمْنُوعٌ بَلْ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَصْرُوفًا إلَى حَاجَةِ الْمَيِّتِ وَالصَّرْفُ إلَى الْحَاجَةِ لَيْسَ تَضْيِيعًا فَلِذَا لَا يُضْمَنُ، وَلَوْ سَلِمَ فَلَا يَنْزِلُ عَنْ أَنْ يَكُونَ فِي حِرْزِيَّتِهِ شُبْهَةٌ وَبِهِ يَنْتَفِي الْقَطْعُ وَيَبْقَى ثُبُوتُ الشُّبْهَةِ فِي كَوْنِهِ مَمْلُوكًا. وَفِي ثُبُوتِ الْخَلَلِ فِي الْمَقْصُودِ مِنْ شَرْعِيَّةِ الْحَدِّ وَهُوَ مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ زِيَادَةً فَكُلٌّ مِنْهُمَا يُوجِبُ الدَّرْءَ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْكَفَنَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ، لَا لِلْمَيِّتِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْمِلْكِ وَلَا لِلْوَارِثِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مِنْ التَّرِكَةِ إلَّا مَا يَفْضُلُ عَنْ حَاجَةِ الْمَيِّتِ وَلِذَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ التَّرِكَةِ الْمُسْتَغْرَقَةِ لِأَنَّهَا مِلْكٌ لِلْغَرِيمِ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِحَقِّهِ. فَإِنْ صَحَّ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ لَا مِلْكَ فِيهِ لِأَحَدٍ لَمْ يُقْطَعْ. وَإِلَّا فَتَحَقَّقَتْ شُبْهَةٌ فِي مَمْلُوكِيَّتِهِ بِقَوْلِنَا فَلَا يُقْطَعُ بِهِ أَيْضًا. بَلْ نَقُولُ: تَحَقَّقَ قُصُورٌ فِي نَفْسِ مَالِيَّةِ الْكَفَنِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَالَ مَا يَجْرِي فِيهِ الرَّغْبَةُ وَالضِّنَّةُ وَالْكَفَنُ يَنْفِرُ عَنْهُ كُلُّ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ كُفِّنَ بِهِ مَيِّتٌ إلَّا نَادِرًا مِنْ النَّاسِ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ شَرْعَ الْحَدِّ لِلِانْزِجَارِ وَالْحَاجَةُ إلَيْهِ لَمَّا يَكْثُرُ وُجُودُهُ.
فَأَمَّا مَا يَنْدُرُ فَلَا يُشْرَعُ فِيهِ لِوُقُوعِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحَاجَةِ لِأَنَّ الِانْزِجَارَ حَاصِلٌ طَبْعًا كَمَا قُلْنَا فِي عَدَمِ الْحَدِّ بِوَطْءِ الْبَهِيمَةِ. وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِتَسْمِيَتِهِ بَيْتًا فَأَبْعَدُ لِأَنَّ إطْلَاقَهُ إمَّا مَجَازٌ فَإِنَّ الْبَيْتَ مَا يَحُوطُهُ أَرْبَعُ حَوَائِطَ تُوضَعُ لِلْبَيْتِ وَلَيْسَ فِي الْقَبْرِ كَذَلِكَ، عَلَى أَنَّ حَقِيقَةَ الْبَيْتِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْحِرْزَ فَقَدْ يَصْدُقُ مَعَ عَدَمِ الْحِرْزِ أَصْلًا كَالْمَسْجِدِ. وَمَعَ الْحِرْزِ مَعَ نُقْصَانٍ وَهُوَ كَثِيرٌ، وَمَعَ الْحِرْزِ التَّامِّ، فَمُجَرَّدُ تَسْمِيَتِهِ بَيْتًا لَا يَسْتَلْزِمُ الْقَطْعَ خُصُوصًا فِي مَقَامِ وُجُوبِ دَرْئِهِ مَا أَمْكَنَ، بَلْ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى بَعْضِ الْمَاصَدَقَاتِ الَّتِي لَا حَدَّ مَعَهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
وَهَذَا فِي الْقَبْرِ الْكَائِنِ فِي الصَّحْرَاءِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا، أَمَّا لَوْ كَانَ الْقَبْرُ فِي بَيْتٍ مُقْفَلٍ فَقِيلَ يُقْطَعُ بِهِ لِوُجُودِ الْحِرْزِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ فَلَا يُقْطَعُ عِنْدَنَا وَإِنْ وُجِدَ الْحِرْزُ لِلْمَوَانِعِ الْأُخَرِ مِنْ نُقْصَانِ الْمَالِيَّةِ وَعَدَمِ الْمَمْلُوكِيَّةِ وَالْمَقْصُودِ مِنْ شَرْعِهِ (وَكَذَا إذَا سَرَقَ مِنْ تَابُوتٍ فِي الْقَافِلَةِ وَفِيهِ الْمَيِّتُ لِمَا بَيَّنَّا) مِنْ تَحَقُّقِ الْخَلَلِ فِي الْمَالِيَّةِ وَمَا بَعْدَهَا. هَذَا وَلَوْ اعْتَادَ لِصٌّ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْطَعَهُ سِيَاسَةً لَا حَدًّا، وَهُوَ مَحْمَلُ مَا رَوَاهُ لَوْ صَحَّ.
(قَوْلُهُ وَلَا يُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالنَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ. وَقَالَ مَالِكٌ: يُقْطَعُ وَهُوَ قَوْلُ حَمَّادٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ لِظَاهِرِ الْكِتَابِ. وَلِأَنَّهُ مَالٌ مُحَرَّزٌ وَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِ قَبْلَ الْحَاجَةِ (وَلَنَا أَنَّهُ مَالُ الْعَامَّةِ وَهُوَ مِنْهُمْ) وَعَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ مِثْلُهُ، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِيمَنْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ قَالَ: أَرْسِلْهُ فَمَا مِنْ أَحَدٍ إلَّا وَلَهُ فِي هَذَا الْمَالِ حَقٌّ (وَلَا يُقْطَعُ مِنْ مَالٍ لِلسَّارِقِ فِيهِ شَرِكَةٌ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute