«لَا قَطْعَ عَلَى الْمُخْتَفِي» وَهُوَ النَّبَّاشُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَلِأَنَّ الشُّبْهَةَ تَمَكَّنَتْ فِي الْمِلْكِ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِلْمَيِّتِ حَقِيقَةً وَلَا لِلْوَارِثِ لِتَقَدُّمِ حَاجَةِ الْمَيِّتِ، وَقَدْ تَمَكَّنَ الْخَلَلُ فِي الْمَقْصُودِ وَهُوَ الِانْزِجَارُ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ فِي نَفْسِهَا نَادِرَةُ الْوُجُودِ وَمَا رَوَاهُ غَيْرُ مَرْفُوعٍ أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى السِّيَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ الْقَبْرُ فِي بَيْتٍ مُقْفَلٍ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الصَّحِيحِ لِمَا قُلْنَا
أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، وَفِي سَنَدِهِ مَنْ يُجْهَلُ حَالُهُ كَبِشْرِ بْنِ حَازِمٍ وَغَيْرِهِ، وَمِثْلُهُ الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ «لَا قَطْعَ عَلَى الْمُخْتَفِي» قَالَ: وَهُوَ النَّبَّاشُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ) أَيْ بِعُرْفِهِمْ.
وَأَمَّا الْآثَارُ فَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: رُوِيَ عَنْ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَطَعَ نَبَّاشًا. وَهُوَ ضَعِيفٌ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، ثُمَّ أَعَلَّهُ بِسُهَيْلِ بْنِ ذَكْوَانَ الْمَكِّيِّ. قَالَ عَطَاءٌ: كُنَّا نَتَّهِمُهُ بِالْكَذِبِ. وَيُمَاثِلُهُ أَثَرٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَفِيهِ مَجْهُولٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْخٌ لَقِيته بِمِنًى عَنْ رَوْحِ بْنِ قَاسِمٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَيْسَ عَلَى النَّبَّاشِ قَطْعٌ. وَأَمَّا مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى الْأَسْلَمِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّهُ وَجَدَ قَوْمًا يَخْتَفُونَ الْقُبُورَ بِالْيَمَنِ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَكَتَبَ فِيهِمْ إلَى عُمَرَ، فَكَتَبَ عُمَر ﵁ أَنْ اقْطَعْ أَيْدِيَهُمْ. فَأَحْسَنُ مِنْهُ بِلَا شَكٍّ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أُتِيَ مَرْوَانُ بِقَوْمٍ يَخْتَفُونَ: أَيْ يَنْبُشُونَ الْقُبُورَ فَضَرَبَهُمْ وَنَفَاهُمْ وَالصَّحَابَةُ مُتَوَافِرُونَ اهـ.
وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ بِهِ، وَزَادَ: وَطَوَّفَ بِهِمْ. وَكَذَا أَحْسَنُ مِنْهُ بِلَا شَكٍّ مَا رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا حَفْصٌ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أُخِذَ نَبَّاشٌ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ وَكَانَ مَرْوَانُ عَلَى الْمَدِينَةِ فَسَأَلَ مَنْ بِحَضْرَتِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالْفُقَهَاءِ فَأَجْمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنْ يُضْرَبَ وَيُطَافَ بِهِ اهـ. وَحِينَئِذٍ لَا شَكَّ فِي تَرْجِيحِ مَذْهَبِنَا مِنْ جِهَةِ الْآثَارِ، وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَلَهُمْ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَلِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مُحَرَّزٌ بِحِرْزِ مِثْلِهِ فَيُقْطَعُ فِيهِ.
أَمَّا الْمَالِيَّةُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْحِرْزُ فَلِأَنَّ الْقَبْرَ حِرْزٌ لِلْمَيِّتِ وَثِيَابُهُ تَبَعٌ لَهُ فَيَكُونُ حِرْزًا لَهَا أَيْضًا، وَقَدْ سَمَّى النَّبِيُّ ﷺ الْقَبْرَ بَيْتًا فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ حَيْثُ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ «كَيْفَ أَنْتَ إذَا أَصَابَ النَّاسَ مَوْتٌ يَكُونُ الْبَيْتُ فِيهِ بِالْوَصِيفِ؟ يَعْنِي الْقَبْرَ، وَقُلْت: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، أَوْ مَا خَارَ اللَّهُ لِي وَرَسُولُهُ، قَالَ ﷺ: عَلَيْك بِالصَّبْرِ» وَقَدْ بَوَّبَ أَبُو دَاوُد عَلَيْهِ فَقَالَ: بَابُ قَطْعِ النَّبَّاشِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَاسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو دَاوُد لِأَنَّهُ سَمَّى الْقَبْرَ بَيْتًا وَالْبَيْتُ حِرْزٌ وَالسَّارِقُ مِنْ الْحِرْزِ يُقْطَعُ وَلِأَنَّهُ حِرْزُ مِثْلِهِ لِأَنَّ حِرْزَ كُلِّ شَيْءٍ مَا يَلِيقُ بِهِ. فَحِرْزُ الدَّوَابِّ بِالْإِصْطَبْلِ وَالدُّرَّةُ بِالْحُقِّ وَالصُّنْدُوقِ وَالشَّاةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute