للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدُّخُولِ فِي الْحِرْزِ. وَالثَّانِي لِلْمَعْنَى الثَّانِي، وَلِهَذَا أَبَاحَ الشَّرْعُ النَّظَرَ إلَى مَوَاضِعِ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ مِنْهَا، بِخِلَافِ الصَّدِيقَيْنِ لِأَنَّهُ عَادَاهُ بِالسَّرِقَةِ. وَفِي الثَّانِي خِلَافُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ أَلْحَقَهَا بِالْقَرَابَةِ الْبَعِيدَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْعَتَاقِ (وَلَوْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مَتَاعَ غَيْرِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ، وَلَوْ سَرَقَ مَالَهُ مِنْ بَيْتِ غَيْرِهِ يُقْطَعُ) اعْتِبَارًا لِلْحِرْزِ وَعَدَمِهِ

وَقَالَ مَالِكٌ وَشُذُوذٌ: يُقْطَعُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي مَالِهِمَا، وَلِذَا يُحَدُّ بِالزِّنَا بِجَارِيَتِهِمَا وَيُقْتَلُ بِقَتْلِهِمَا وَبِهِ يَبْطُلُ قَوْلُهُ فِي الْكَافِي، أَمَّا فِي الْوِلَادِ فَلَا اخْتِلَافَ فِيهِ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ: يُقْطَعُ الْأَبُ أَيْضًا فِي سَرِقَةِ مَالِ ابْنِهِ لِظَاهِرِ الْآيَةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقْطَعُ فِي السَّرِقَةِ مِنْ غَيْرِ الْوِلَادِ. أَمَّا وَجْهُ الْأَوَّلِ: أَيْ عَدَمُ الْقَطْعِ فِي قَرَابَةِ الْوِلَادِ فَلِأَنَّهَا عَادَةً تَكُونُ مَعَهَا الْبُسُوطَةُ فِي الْمَالِ وَالْإِذْنُ فِي الدُّخُولِ فِي الْحِرْزِ حَتَّى يُعَدُّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْآخَرِ وَلِذَا مُنِعَتْ شَهَادَتُهُ لَهُ شَرْعًا، وَيَخُصُّ سَرِقَةَ الْأَبِ مِنْ مَالِ الِابْنِ قَوْلُهُ «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» وَأَمَّا غَيْرُ الْوِلَادِ وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَالثَّانِي لِلْمَعْنَى الثَّانِي) أَيْ الْإِذْنِ فِي الدُّخُولِ فِي الْحِرْزِ فَأَلْحَقَهُمْ الشَّافِعِيُّ بِالْقَرَابَةِ الْبَعِيدَةِ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْعَتَاقِ) أَيْ فِي مَسْأَلَةِ " مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ " وَنَحْنُ أَلْحَقْنَاهُ بِقَرَابَةِ الْوِلَادِ، وَقَدْ رَأَيْنَا الشَّرْعَ أَلْحَقَهُمْ بِهِمْ فِي إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ وَافْتِرَاضِ الْوَصْلِ، فَلِذَا أَلْحَقْنَاهُمْ بِهِمْ فِي عَدَمِ الْقَطْعِ بِالسَّرِقَةِ وَوُجُوبِ النَّفَقَةِ، وَلِأَنَّ الْإِذْنَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ ثَابِتٌ عَادَةً لِلزِّيَارَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَلِذَا حَلَّ النَّظَرُ مِنْهَا إلَى مَوَاضِعِ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ كَالْعَضُدِ لِلدُّمْلُوجِ وَالصَّدْرِ لِلْقِلَادَةِ وَالسَّاقِ لِلْخَلْخَالِ. وَمَا ذَاكَ إلَّا لِلُزُومِ الْحَرَجِ لَوْ وَجَبَ سَتْرُهَا عَنْهُ مَعَ كَثْرَةِ الدُّخُولِ عَلَيْهَا وَهِيَ مُزَاوِلَةُ الْأَعْمَالِ وَعَدَمِ احْتِشَامِ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ. وَأَيْضًا فَهَذِهِ الرَّحِمُ الْمُحَرَّمَةُ يُفْتَرَضُ وَصْلُهَا وَيَحْرُمُ قَطْعُهَا، وَبِالْقَطْعِ يَحْصُلُ الْقَطْعُ فَوَجَبَ صَوْنُهَا بِدَرْئِهِ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ.

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى نُقْصَانِ الْحِرْزِ فِيهَا قَوْله تَعَالَى ﴿وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ﴾ وَرَفْعُ الْجُنَاحِ عَنْ الْأَكْلِ مِنْ بُيُوتِ الْأَعْمَامِ أَوْ الْعَمَّاتِ مُطْلَقًا يُؤْنِسُ إطْلَاقَ الدُّخُولِ. وَلَوْ سُلِّمَ فَإِطْلَاقُ الْأَكْلِ مُطْلَقًا يَمْنَعُ قَطْعَ الْقَرِيبِ، ثُمَّ هُوَ إنْ تُرِكَ لِقِيَامِ دَلِيلِ الْمَنْعِ بَقِيَتْ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ عَلَى وِزَانِ مَا قُلْنَا فِي «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك». فَإِنْ قُلْت: فَقَدْ قَالَ ﴿أَوْ صَدِيقِكُمْ﴾ كَمَا قَالَ ﴿أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ﴾ وَالْحَالُ أَنَّهُ يُقْطَعُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ صَدِيقِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا قَصَدَ سَرِقَةَ مَالِهِ فَقَدْ عَادَاهُ فَلَمْ يُقْطَعْ الْآخِذُ إلَّا فِي حَالِ الْعَدَاوَةِ (وَلَوْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مَتَاعَ غَيْرِهِ لَا يُقْطَعُ، وَلَوْ سَرَقَ مَالَ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِنْ بَيْتِ غَيْرِهِ يُقْطَعُ اعْتِبَارًا لِلْحِرْزِ وَعَدَمِهِ) فَسَرِقَةُ مَالِ الْغَيْرِ مِنْ بَيْتِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ سَرِقَةٌ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ، وَسَرِقَةُ مَالِ ذِي الرَّحِمِ مِنْ بَيْتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>