وَقَالَ (وَالْحِرْزُ عَلَى نَوْعَيْنِ حِرْزٌ لِمَعْنًى فِيهِ كَالْبُيُوتِ وَالدُّورِ. وَحِرْزٌ بِالْحَافِظِ) قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ: الْحِرْزُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّ الِاسْتِسْرَارَ لَا يَتَحَقَّقُ دُونَهُ، ثُمَّ هُوَ قَدْ يَكُونُ بِالْمَكَانِ وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُعَدُّ لِإِحْرَازِ الْأَمْتِعَةِ كَالدُّورِ وَالْبُيُوتِ وَالصُّنْدُوقِ وَالْحَانُوتِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْحَافِظِ كَمَنْ جَلَسَ فِي الطَّرِيقِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ وَعِنْدَهُ مَتَاعُهُ فَهُوَ مُحَرَّزٌ بِهِ، وَقَدْ «قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَنْ سَرَقَ رِدَاءَ صَفْوَانَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ وَهُوَ نَائِمٌ فِي الْمَسْجِدِ» (وَفِي الْمُحَرَّزِ بِالْمَكَانِ لَا يُعْتَبَرُ
ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا جُبَارَةُ بْنُ الْمُغَلِّسِ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ عَبْدًا مِنْ رَقِيقِ الْخُمُسِ سَرَقَ مِنْ الْخُمُسِ، فَرُفِعَ إلَى النَّبِيِّ ﷺ فَلَمْ يَقْطَعْهُ وَقَالَ: مَالُ اللَّهِ سَرَقَ بَعْضُهُ بَعْضًا» وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ؛ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ ﷺ «مَالُ اللَّهِ سَرَقَ بَعْضُهُ بَعْضًا» وَكَلَامُنَا فِيمَا سَرَقَهُ بَعْضُ مُسْتَحَقِّي الْغَنِيمَةِ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ.
(قَوْلُهُ قَالَ) أَيْ الْمُصَنِّفُ (الْحِرْزُ لَا بُدَّ مِنْهُ) لِوُجُوبِ الْقَطْعِ (لِأَنَّ الِاسْتِسْرَارَ لَا يَتَحَقَّقُ دُونَهُ) لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَافِظٌ مِنْ بِنَاءٍ وَنَحْوِهِ أَوْ إنْسَانٍ مُتَصَدٍّ لِلْحِفْظِ يَكُونُ الْمَالُ سَائِبًا فَلَا يَتَحَقَّقُ إخْفَاءُ الْأَخْذِ وَالدُّخُولُ فَلَا تَتَحَقَّقُ السَّرِقَةُ. وَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْله تَعَالَى ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ بِنَفْسِهِ يُوجِبُ الْحِرْزَ إذْ لَا تُتَصَوَّرُ السَّرِقَةُ دُونَ الْإِخْفَاءِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ الْإِخْفَاءُ دُونَ الْحَافِظِ، فَيُخْفِي الْأَخْذَ مِنْهُ أَوْ الْبِنَاءُ فَيُخْفِي دُخُولَهُ بَيْتَ غَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ. وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي اشْتِرَاطِهِ كَقَوْلِهِ ﷺ «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ مُعَلَّقٍ، وَلَا فِي حَرِيسَةِ الْجَبَلِ، فَإِذَا آوَاهُ الْمُرَاحُ أَوْ الْجَرِينُ فَالْقَطْعُ فِيمَا بَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ» وَنَحْوُهُ وَارِدٌ عَلَى وَفْقِ الْكِتَابِ لَا مُبَيِّنٌ مُخَصِّصٌ (ثُمَّ هُوَ عَلَى نَوْعَيْنِ: حِرْزٌ) بِالْمَكَانِ (كَالدُّورِ وَالْبُيُوتِ) وَالْجُدَرَانِ وَالْحَوَانِيتِ لِلتُّجَّارِ وَلَيْسَتْ هِيَ الَّتِي تُسَمَّى فِي عُرْفِ بِلَادِ مِصْرَ الدَّكَاكِينَ وَالصَّنَادِيقَ وَالْخِيَامَ وَالْخَرْكَاهَ وَجَمِيعَ مَا أُعِدَّ لِحِفْظِ الْأَمْتِعَةِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْحَافِظِ وَهُوَ بَدَلٌ عَنْ الْأَمَاكِنِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ.
وَذَلِكَ (كَمَنْ جَلَسَ فِي الطَّرِيقِ) أَوْ فِي الصَّحْرَاءِ (أَوْ فِي الْمَسْجِدِ وَعِنْدَهُ مَتَاعٌ فَهُوَ مُحَرَّزٌ بِهِ. وَقَدْ «قَطَعَ النَّبِيُّ ﷺ مَنْ سَرَقَ رِدَاءَ صَفْوَانَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ وَهُوَ نَائِمٌ فِي الْمَسْجِدِ») عَلَى مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَمَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ وَالْحَاكِمُ، وَحَكَمَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ ابْنُ عَبْدِ الْهَادِي أَنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وَلَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ وَأَلْفَاظٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِهَا انْقِطَاعٌ وَفِي بَعْضِهَا مَنْ هُوَ مُضَعَّفٌ، وَلَكِنْ تَعَدَّدَتْ طُرُقُهُ وَاتَّسَعَ مَجِيئُهُ اتِّسَاعًا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِصِحَّتِهِ بِلَا شُبْهَةٍ. وَفِي طَرِيقِ السُّنَنِ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ طَافَ بِالْبَيْتِ وَصَلَّى ثُمَّ لَفَّ رِدَاءً لَهُ مِنْ بُرْدٍ فَوَضَعَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ فَنَامَ. فَأَتَاهُ لِصٌّ فَاسْتَلَّهُ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ. فَأَخَذَهُ فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: إنَّ هَذَا سَرَقَ رِدَائِي. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: أَسَرَقْت رِدَاءَ هَذَا؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ: اذْهَبَا بِهِ فَاقْطَعَا يَدَهُ، فَقَالَ صَفْوَانُ: مَا كُنْت أُرِيدُ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ فِي رِدَائِي، قَالَ: فَلَوْلَا كَانَ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ»
زَادَ النَّسَائِيّ " فَقَطَعَهُ " وَفِي الْمُسْتَدْرَكِ: سَمَّاهُ خَمِيصَةً ثَمَنَ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا (قَوْلُهُ وَفِي الْمُحَرَّزِ بِالْمَكَانِ لَا يُعْتَبَرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute