للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَيْفَ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ أَمَرَ بِقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ مِنْ الزَّنْدِ، وَالْحَسْمُ لِقَوْلِهِ «فَاقْطَعُوهُ وَاحْسِمُوهُ» وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْسَمْ يُفْضِي إلَى التَّلَفِ وَالْحَدُّ زَاجِرٌ لَا مُتْلِفٌ

أَنَّهُ لَا إجْمَالَ فِي قَوْلِهِ ﴿فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ وَقَدْ قَطَعَ الْيَمِينَ، وَكَذَا الصَّحَابَةُ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ التَّقْيِيدُ مُرَادًا لَمْ يَفْعَلْهُ وَكَانَ يَقْطَعُ الْيَسَارَ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَمِينَ أَنْفَعُ مِنْ الْيَسَارِ لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ بِهَا مِنْ الْأَعْمَالِ وَحْدَهَا مَا لَا يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ الْيَسَارِ، فَلَوْ كَانَ الْإِطْلَاقُ مُرَادًا وَالِامْتِثَالُ يَحْصُلُ بِكُلٍّ لَمْ يَقْطَعْ إلَّا الْيَسَارَ عَلَى عَادَتِهِ مِنْ طَلَبِ الْأَيْسَرِ لَهُمْ مَا أَمْكَنَ. وَأَمَّا كَوْنُهُ مِنْ الزَّنْدِ وَهُوَ مَفْصِلُ الرُّسْغِ وَيُقَالُ الْكُوعُ فَلِأَنَّهُ الْمُتَوَارَثُ، وَمِثْلُهُ لَا يُطْلَبُ فِيهِ سَنَدٌ بِخُصُوصِهِ كَالْمُتَوَاتِرِ لَا يُبَالِي فِيهِ بِكُفْرِ النَّاقِلِينَ فَضْلًا عَنْ فِسْقِهِمْ أَوْ ضَعْفِهِمْ.

وَرُوِيَ فِيهِ خُصُوصُ مُتُونٍ: مِنْهَا مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي حَدِيثِ رِدَاءِ صَفْوَانَ قَالَ فِيهِ " ثُمَّ أُمِرَ بِقَطْعِهِ مِنْ الْمَفْصِلِ " وَضُعِّفَ بِالْعَزْرَمِيِّ. وَابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ «قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ سَارِقًا مِنْ الْمَفْصِلِ» وَفِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: لَا أَعْرِفُ لَهُ حَالًا. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ قَطَعَ رَجُلًا مِنْ الْمَفْصِلِ» وَإِنَّمَا فِيهِ الْإِرْسَالُ. وَأَخْرَجَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ أَنَّهُمَا قَطَعَا مِنْ الْمَفْصِلِ وَانْعَقَدَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ، فَمَا نُقِلَ عَنْ شُذُوذٍ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِقَطْعِ الْأُصْبُعِ لِأَنَّ بِهَا الْبَطْشَ، وَعَنْ الْخَوَارِجِ مِنْ أَنَّ الْقَطْعَ مِنْ الْمَنْكِبِ لِأَنَّ الْيَدَ اسْمٌ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ. وَبِتَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ هُوَ خَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ، وَهُمْ لَمْ يَقْدَحُوا فِي الْإِجْمَاعِ قَبْلَ الْفِتْنَةِ، وَلِأَنَّ الْيَدَ تُطْلَقُ عَلَى مَا ذَكَرُوا وَعَلَى مَا إلَى الرُّسْغِ إطْلَاقًا أَشْهَرَ مِنْهُ إلَى الْمَنْكِبِ، بَلْ صَارَ يَتَبَادَرُ مِنْ إطْلَاقِ الْيَدِ فَكَانَ أَوْلَى بِاعْتِبَارِهِ؛ لَئِنْ سَلِمَ اشْتِرَاكُ الِاسْمِ جَازَ كَوْنُ مَا إلَى الْمَنْكِبِ هُوَ الْمُرَادُ وَمَا إلَى الرُّسْغِ، فَيَتَعَيَّنُ مَا إلَى الرُّسْغِ دَرْءًا لِلزَّائِدِ عِنْدَ احْتِمَالِ عَدَمِهِ. وَأَمَّا الْحَسْمُ فَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّهُ أُتِيَ بِسَارِقٍ سَرَقَ شَمْلَةً فَقَالَ : مَا إخَالُهُ سَرَقَ فَقَالَ السَّارِقُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ فَاقْطَعُوهُ ثُمَّ احْسِمُوهُ ثُمَّ ائْتُونِي بِهِ، فَقُطِعَ ثُمَّ حُسِمَ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ، فَقَالَ: تُبْ إلَى اللَّهِ، قَالَ: تُبْت إلَى اللَّهِ، قَالَ: تَابَ اللَّهُ عَلَيْكَ» وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ، وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ سَلَّامٍ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ حُجَيَّةَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَطَعَ أَيْدِيَهُمْ مِنْ الْمَفْصِلِ ثُمَّ حَسَمَهُمْ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَإِلَى أَيْدِيهِمْ كَأَنَّهَا أُيُورُ الْحُمُرِ. وَالْحَسْمُ الْكَيُّ لِيَنْقَطِعَ الدَّمُ. وَفِي الْمُغْرِبِ وَالْمُغْنِي لِابْنِ قُدَامَةَ: هُوَ أَنْ يُغْمَسَ فِي الدُّهْنِ الَّذِي أُغْلِيَ، وَثَمَنُ الزَّيْتِ وَكُلْفَةُ الْحَسْمِ فِي بَيْتِ الْمَالِ عِنْدَهُمْ، لِأَنَّهُ أَمَرَ الْقَاطِعَ بِهِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي وَجْهٍ، وَعِنْدَنَا هُوَ عَلَى السَّارِقِ.

وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْسَمْ يُؤَدِّي إلَى التَّلَفِ) يَقْتَضِي وُجُوبَهُ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَا يَأْثَمُ. وَيُسَنُّ تَعْلِيقُ يَدِهِ فِي عُنُقِهِ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِهِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. وَعِنْدَنَا ذَلِكَ مُطْلَقٌ لِلْإِمَامِ إنْ رَآهُ، وَلَمْ يَثْبُتْ مِنْهُ فِي كُلِّ مَنْ قَطَعَهُ لِيَكُونَ سُنَّةً

<<  <  ج: ص:  >  >>