(فَإِنْ سَرَقَ ثَانِيًا قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى، فَإِنْ سَرَقَ ثَالِثًا لَمْ يُقْطَعْ وَخُلِّدَ فِي السِّجْنِ حَتَّى يَتُوبَ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَيُعَزَّرُ أَيْضًا، ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ ﵏. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: فِي الثَّالِثَةِ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى، وَفِي الرَّابِعَةِ تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُمْنَى لِقَوْلِهِ ﵊ «مَنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ» وَيُرْوَى مُفَسَّرًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ، وَلِأَنَّ الثَّالِثَةَ مِثْلُ الْأُولَى فِي كَوْنِهَا جِنَايَةً بَلْ فَوْقَهَا فَتَكُونُ أَدْعَى إلَى شَرْعِ الْحَدِّ.
قَوْلُهُ وَإِنْ سَرَقَ ثَانِيًا قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى) بِالْإِجْمَاعِ فَقَدْ رُوِيَ فِيهِ حَدِيثٌ قَدَّمْنَاهُ، ثُمَّ يُقْطَعُ مِنْ الْكَعْبِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَفَعَلَ عُمَرُ ذَلِكَ.
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَالرَّوَافِضُ: يُقْطَعُ مِنْ نِصْفِ الْقَدَمِ مِنْ مَقْعَدِ الشِّرَاكِ لِأَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَقْطَعُ كَذَلِكَ وَيَدَعُ لَهُ عَقِبًا يَمْشِي عَلَيْهِ. قَالَ (فَإِنْ سَرَقَ ثَالِثًا لَا يُقْطَعُ) بَلْ يُعَزَّرُ (وَيُخَلَّدُ فِي السِّجْنِ حَتَّى يَتُوبَ) أَوْ يَمُوتَ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي الثَّالِثَةِ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى، وَفِي الرَّابِعَةِ تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُمْنَى لِقَوْلِهِ ﷺ «مَنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوهُ، ثُمَّ إنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ، ثُمَّ إنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ، ثُمَّ إنْ عَادَ فَاقْطَعُوهُ») وَهُوَ بِهَذَا اللَّفْظِ لَا يُعْرَفُ، وَلَكِنْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ جَابِرٍ قَالَ «جِيءَ بِسَارِقٍ إلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ اُقْتُلُوهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا سَرَقَ قَالَ: اقْطَعُوهُ فَقُطِعَ، ثُمَّ جِيءَ بِهِ فِي الثَّانِيَةِ فَقَالَ اُقْتُلُوهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا سَرَقَ، قَالَ: اقْطَعُوهُ فَقُطِعَ، ثُمَّ جِيءَ بِهِ فِي الثَّالِثَةِ فَقَالَ: اُقْتُلُوهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا سَرَقَ، قَالَ اقْطَعُوهُ فَقُطِعَ، ثُمَّ جِيءَ بِهِ فِي الرَّابِعَةِ فَقَالَ: اُقْتُلُوهُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا سَرَقَ، فَقَالَ اقْطَعُوهُ فَقُطِعَ، ثُمَّ جِيءَ بِهِ فِي الْخَامِسَةِ قَالَ: اُقْتُلُوهُ، قَالَ جَابِرٌ: فَانْطَلَقْنَا بِهِ فَقَتَلْنَاهُ، ثُمَّ اجْتَرَرْنَاهُ فَأَلْقَيْنَاهُ فِي بِئْرٍ وَرَمَيْنَا عَلَيْهِ الْحِجَارَةَ» قَالَ النَّسَائِيّ: حَدِيثٌ مُنْكَرٌ.
وَمُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ. وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنْبَأَنَا يُوسُفُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ حَاطِبِ اللَّخْمِيُّ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أُتِيَ بِلِصٍّ قَالَ اُقْتُلُوهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا سَرَقَ، قَالَ: اقْطَعُوهُ، فَقُطِعَ، ثُمَّ سَرَقَ فَقُطِعَتْ رِجْلُهُ، ثُمَّ سَرَقَ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى قُطِعَتْ قَوَائِمُهُ الْأَرْبَعُ كُلُّهَا. ثُمَّ سَرَقَ الْخَامِسَةَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَعْلَمَ بِهَذَا حِينَ قَالَ: اُقْتُلُوهُ» وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَرُوِيَ مُفَسَّرًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُهُ) أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ ﵊ قَالَ «إذَا سَرَقَ السَّارِقُ فَاقْطَعُوا يَدَهُ. فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ. فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ» وَفِي سَنَدِهِ الْوَاقِدِيُّ. وَهُنَا طُرُقٌ كَثِيرَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ لَمْ تَسْلَمْ مِنْ الطَّعْنِ، وَلِذَا طَعَنَ الطَّحَاوِيُّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَقَالَ: تَتَبَّعْنَا هَذِهِ الْآثَارَ فَلَمْ نَجِدْ لِشَيْءٍ مِنْهَا أَصْلًا. وَفِي الْمَبْسُوطِ: الْحَدِيثُ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَإِلَّا احْتَجَّ بِهِ بَعْضُهُمْ فِي مُشَاوَرَةِ عَلِيٍّ؛ وَلَئِنْ سَلِمَ يُحْمَلُ عَلَى الِانْتِسَاخِ لِأَنَّهُ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ تَغْلِيظٌ فِي الْحُدُودِ، أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَطَعَ أَيْدِي الْعُرَنِيِّينَ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ ثُمَّ اُنْتُسِخَ ذَلِكَ.
وَأَمَّا فِعْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ﵄، فَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْيَمَنِ أَقْطَعَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ قَدِمَ فَنَزَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَشَكَا إلَيْهِ أَنَّ عَامِلَ الْيَمَنِ ظَلَمَهُ، فَكَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فَيَقُولُ أَبُو بَكْرٍ ﵁: وَأَبِيك
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute