للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«لَا غُرْمَ عَلَى السَّارِقِ بَعْدَمَا قُطِعَتْ يَمِينُهُ» وَلِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ يُنَافِي الْقَطْعَ لِأَنَّهُ يَتَمَلَّكُهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْأَخْذِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ وَرَدَ عَلَى مِلْكِهِ فَيَنْتَفِي الْقَطْعُ لِلشُّبْهَةِ وَمَا يُؤَدِّي إلَى انْتِفَائِهِ فَهُوَ الْمُنْتَفِي، وَلِأَنَّ الْمَحَلَّ لَا يَبْقَى مَعْصُومًا حَقًّا لِلْعَبْدِ، إذْ لَوْ بَقِيَ لَكَانَ مُبَاحًا فِي نَفْسِهِ فَيَنْتَفِي الْقَطْعُ لِلشُّبْهَةِ فَيَصِيرُ مُحَرَّمًا حَقًّا لِلشَّرْعِ كَالْمَيْتَةِ وَلَا ضَمَانَ فِيهِ

أَنَّهُ قَالَ «لَا يَغْرَمُ صَاحِبُ سَرِقَةٍ إذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ» وَلَفْظُ الدَّارَقُطْنِيِّ «لَا غُرْمَ عَلَى السَّارِقِ بَعْدَ قَطْعِ يَمِينِهِ» وَضُعِّفَ بِأَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ إبْرَاهِيمَ لَمْ يَلْقَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَهُوَ جَدُّهُ، فَإِنَّهُ مِسْوَرُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَسَعْدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ مَجْهُولٌ، وَفِيهِ انْقِطَاعٌ آخَرُ، فَإِنَّ إِسْحَاقَ بْنَ الْفُرَاتِ رَوَاهُ عَنْ الْمُفَضَّلِ فَأَدْخَلَ بَيْنَ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ وَسَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: سَعْدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ هَذَا مَجْهُولٌ، وَقِيلَ إنَّهُ الزُّهْرِيُّ قَاضِي الْمَدِينَةِ وَهُوَ أَحَدُ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ.

وَعِنْدَنَا الْإِرْسَالُ غَيْرُ قَادِحٍ بَعْدَ ثِقَةِ الرَّاوِي وَأَمَانَتِهِ، وَذَلِكَ السَّاقِطُ إنْ كَانَ قَدْ ظَهَرَ أَنَّهُ الزُّهْرِيُّ فَقَدْ عُرِفَ وَبَطَلَ الْقَدْحُ بِهِ. وَمَا قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ إنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى غُرْمِ السَّارِقِ أُجْرَةُ الْقَاطِعِ مَدْفُوعٌ بِرِوَايَةِ الْبَزَّارِ: «لَا يَضْمَنُ السَّارِقُ سَرِقَتَهُ بَعْدَ إقَامَةِ الْحَدِّ» وَلَمْ يَزِدْ عَلَى قَوْلِ الْمِسْوَرِ بْنِ إبْرَاهِيمَ لَمْ يَلْقَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ (وَلِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ يُنَافِي الْقَطْعَ لِأَنَّهُ يَتَمَلَّكُهُ بَعْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْأَخْذِ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ أَخَذَ مِلْكَهُ) وَلَا قَطْعَ فِي مِلْكِهِ لَكِنَّ الْقَطْعَ ثَابِتٌ قَطْعًا (فَمَا يُؤَدِّي إلَى انْتِفَائِهِ فَهُوَ الْمُنْتَفِي) وَالْمُؤَدِّي إلَيْهِ الضَّمَانُ فَيَنْتَفِي الضَّمَانُ (وَلِأَنَّ الْمَسْرُوقَ لَا يَبْقَى مَعَ الْقَطْعِ مَعْصُومًا حَقًّا لِلْعَبْدِ، إذْ لَوْ بَقِيَ كَانَ مُبَاحًا فِي نَفْسِهِ) وَإِنَّمَا حَرُمَ لِمَصْلَحَةِ الْعَبْدِ فَكَانَ حَرَامًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَكَانَ شُبْهَةً فِي السَّرِقَةِ، إذْ الشُّبْهَةُ لَيْسَتْ إلَّا كَوْنُ الْحُرْمَةِ ثَابِتَةً مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَيَنْدَرِئُ الْحَدُّ، لَكِنَّ الْحَدَّ وَهُوَ الْقَطْعُ ثَابِتٌ إجْمَاعًا (فَكَانَ مُحَرَّمًا حَقًّا لِلشَّرْعِ) فَقَطْ (كَالْمَيْتَةِ وَلَا ضَمَانَ فِيمَا هُوَ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ) وَلَا يُقَالُ جَازَ كَوْنُ الشَّيْءِ مُحَرَّمًا لِغَيْرِهِ وَنَفْسِهِ كَالزِّنَا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا فِي نَفْسِهِ.

لِأَنَّا نَقُولُ: مَا فُرِضَ فِيهِ الْكَلَامُ وَهُوَ الْمَالُ الْمَسْرُوقُ لَا يَكُونُ قَطُّ مُحَرَّمًا إلَّا لِغَيْرِهِ. وَوَقْتُ اسْتِخْلَاصِهِ الْحُرْمَةُ لِنَفْسِهِ تَعَالَى قُبَيْلَ فِعْلِ السَّرِقَةِ الْقَبْلِيَّةِ الَّتِي عَلِمَ تَعَالَى أَنَّهَا تَتَّصِلُ بِهَا السَّرِقَةُ، وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ لَنَا ذَلِكَ بِتَحَقُّقِ الْقَطْعِ، فَإِذَا قُطِعَ عَلِمْنَا أَنَّهُ اسْتَخْلَصَ الْحُرْمَةَ حَقًّا لَهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ الْمَالِ، كَمَا نَعْلَمُ أَنَّ الْأَبَ مَلَّكَهُ اللَّهُ تَعَالَى جَارِيَةَ ابْنِهِ مِنْ غَيْرِ تَمْلِيكٍ مِنْ الِابْنِ لَهُ بِظُهُورِ دَعْوَاهُ وَلَدَهَا لِأَنَّا عَلِمْنَا أَنَّهُ شُرِعَ ثُبُوتُ النَّسَبِ مِنْهُ بِدَعْوَاهُ فَعَلِمْنَا حُكْمَهُ تَعَالَى بِنَقْلِ الْمِلْكِ فِيهَا إلَيْهِ قَبْلَ الْوَطْءِ الْقَبْلِيَّةِ الَّتِي عَلِمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>