إلَّا أَنَّ الْعِصْمَةَ لَا يَظْهَرُ سُقُوطُهَا فِي حَقِّ الِاسْتِهْلَاكِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ آخَرُ غَيْرِ السَّرِقَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّهِ، وَكَذَا الشُّبْهَةُ تُعْتَبَرُ فِيمَا هُوَ السَّبَبُ دُونَ غَيْرِهِ.
وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ أَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ إتْمَامُ الْمَقْصُودِ فَتُعْتَبَرُ الشُّبْهَةُ فِيهِ، وَكَذَا يَظْهَرُ سُقُوطُ الْعِصْمَةِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَاتِ سُقُوطِهَا فِي حَقِّ الْهَلَاكِ لِانْتِفَاءِ الْمُمَاثَلَةِ.
تَعَالَى اتِّصَالَ الْوَطْءِ بِهَا، وَكَذَا فِي أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفٍ فَهُوَ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِمُعَايَنَةِ الْمَشْرُوطِ عَلَى سَبْقِ الشَّرْطِ. فَإِنْ قُلْت: فَمَا وَجْهُ رِوَايَةِ الْحَسَنِ فِي الضَّمَانِ بِالِاسْتِهْلَاكِ مَعَ فَرْضِ أَنَّ الْعِصْمَةَ انْتَقَلَتْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَصَارَ الْمَسْرُوقُ كَحُرْمَةِ الْمَيْتَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَفْتَرِقَ الْحَالُ؟ فَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ (إلَّا أَنَّ الْعِصْمَةَ لَا يَظْهَرُ سُقُوطُهَا فِي حَقِّ الِاسْتِهْلَاكِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ آخَرُ غَيْرُ السَّرِقَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ فِعْلٍ آخَرَ) إنَّمَا الضَّرُورَةُ فِي نَفْيِ شُبْهَةِ الْإِبَاحَةِ عَنْ فِعْلِ السَّرِقَةِ ضَرُورَةَ وُجُوبِ الْقَطْعِ (وَكَذَا الشُّبْهَةُ) أَيْ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ إنَّمَا (تُعْتَبَرُ فِيمَا هُوَ السَّبَبُ) وَهُوَ السَّرِقَةُ (دُونَ غَيْرِهِ) وَهُوَ الِاسْتِهْلَاكُ (وَوَجْهُ الْمَشْهُورِ أَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ) وَإِنْ كَانَ فِعْلًا آخَرَ إلَّا أَنَّهُ (إتْمَامُ الْمَقْصُودِ) بِالسَّرِقَةِ وَهُوَ الِانْتِفَاعُ بِالْمَسْرُوقِ فَكَانَ مَعْدُودًا مِنْهَا (فَتُعْتَبَرُ الشُّبْهَةُ فِيهِ) كَمَا اُعْتُبِرَتْ فِي السَّرِقَةِ (وَكَذَا يَظْهَرُ سُقُوطُ الْعِصْمَةِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ) فِي فَصْلِ الِاسْتِهْلَاكِ (لِانْتِفَاءِ الْمُمَاثَلَةِ) بَيْنَ الْمَالِ الْمَسْرُوقِ وَالضَّمَانِ، لِأَنَّ الْمَسْرُوقَ مَعْصُومٌ حَقًّا لِلْعَبْدِ فِي حَالَةِ الِاسْتِهْلَاكِ فَقَطْ، وَالضَّمَانُ مَالٌ مَعْصُومٌ حَقًّا لَهُ فِي حَالَتَيْ الْهَلَاكِ وَالِاسْتِهْلَاكِ، فَإِذَا انْتَفَتْ الْمُمَاثَلَةُ انْتَفَى الضَّمَانُ، لِأَنَّ ضَمَانَ الْعُدْوَانِ مَشْرُوطٌ بِالْمُمَاثَلَةِ بِالنَّصِّ، بِخِلَافِ شُرْبِ خَمْرِ الذِّمِّيِّ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا مُتَقَوِّمًا لِغَيْرِهِ فَيَضْمَنُهُ، وَفِيهِ جِنَايَةٌ عَلَى عَقْلِهِ، وَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ الْحَدَّ فَيُحَدُّ بِذَلِكَ فَكَانَا حُرْمَتَيْنِ، وَمِثْلُهُ صَيْدُ الْحَرَمِ الْمَمْلُوكِ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ: رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إنَّمَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ عَنْ السَّارِقِ قَضَاءً لِتَعَذُّرِ الْحُكْمِ بِالْمُمَاثَلَةِ، فَأَمَّا دِيَانَةً فَيُفْتَى بِالضَّمَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute