(وَلَهُمَا أَنَّ الْأَخْذَ وُضِعَ سَبَبًا لِلضَّمَانِ لَا لِلْمِلْكِ، وَإِنَّمَا الْمِلْكُ يُثْبِتُ ضَرُورَةَ أَدَاءِ الضَّمَانِ كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ، وَمِثْلُهُ لَا يُوَرِّثُ) الشُّبْهَةَ كَنَفْسِ الْأَخْذِ، وَكَمَا إذَا سَرَقَ الْبَائِعُ مَعِيبًا بَاعَهُ، بِخِلَافِ مَا ذَكَرَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَوْضُوعٌ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا اخْتَارَ تَضْمِينَ النُّقْصَانِ وَأَخْذَ الثَّوْبِ،
وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْبَيْهَقِيُّ زَادَ فَقَالَ فِي كِفَايَتِهِ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي بَعْضِهَا مَا يُفِيدُ أَنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ كَقَوْلِ صَاحِبِ الْأَسْرَارِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يُقْطَعُ، وَكَذَا قَالَ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: كُلُّ شَيْءٍ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ إنْ شَاءَ ذَلِكَ رَبُّ الْمَتَاعِ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ.
وَجْهُ قَوْلِهِ: إنَّ السَّرِقَةَ مَا تَمَّتْ إلَّا وَقَدْ انْعَقَدَ لِلسَّارِقِ فِيهَا سَبَبُ الْمِلْكِ؛ إذْ بِالْخَرْقِ الْفَاحِشِ يَثْبُتُ لِلْمَالِكِ وِلَايَةُ تَضْمِينِ السَّارِقِ قِيمَةَ الثَّوْبِ وَتَرْكَهُ لَهُ وَإِنْ كَرِهَ ذَلِكَ، وَمَا انْعَقَدَ لِلسَّارِقِ فِيهِ سَبَبُ الْمِلْكِ لَا يُقْطَعُ بِهِ. كَمَا لَوْ سَرَقَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ الَّذِي فِيهِ خِيَارُ الْبَائِعِ ثُمَّ أَسْقَطَ الْبَائِعُ الْخِيَارَ فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ لِذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّ السَّرِقَةَ تَمَّتْ عَلَى عَيْنٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ، وَلَكِنْ فِيهِ سَبَبُ الْمِلْكِ لِلسَّارِقِ (وَلَهُمَا أَنَّ الْأَخْذَ وَقَعَ سَبَبًا لِلضَّمَانِ) وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُنَاسِبَ أَنْ يَقُولَ: إنَّ الشَّقَّ وَقَعَ سَبَبًا لِلضَّمَانِ (لَا لِلْمِلْكِ) وَثُبُوتَ وِلَايَةِ الْغَيْرِ أَنْ يَمْلِكَ لَيْسَ سَبَبًا لِلْمِلْكِ، بَلْ السَّبَبُ إنَّمَا يَثْبُتُ عِنْدَ اخْتِيَارِ التَّضْمِينِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ تِلْكَ الْوِلَايَةُ مُوجِبَةً لِلسَّبَبِيَّةِ إذَا كَانَ التَّصَرُّفُ مَوْضُوعًا لِلتَّمْلِيكِ كَالْبَيْعِ فِيمَا قِسْت عَلَيْهِ لَا فِيمَا وُضِعَ سَبَبًا لِلضَّمَانِ. فَالْفَرْقُ بَيْنَ صُورَةِ الشَّقِّ وَصُورَةِ الْبَيْعِ كَوْنُ نَفْسِ التَّصَرُّفِ وُضِعَ لِلتَّمْلِيكِ، بِخِلَافِ الشَّقِّ.
وَلَمَّا كَانَ الْكَلَامُ لَيْسَ فِي الْأَخْذِ بَلْ فِي الشَّقِّ تَكَلَّفَ فِي تَقْرِيرِهِ بِأَنْ قِيلَ الْأَخْذُ سَبَبٌ لِلضَّمَانِ لِأَنَّهُ عُدْوَانٌ مَحْضٌ لَا لِلْمِلْكِ فَكَانَ كَالشَّقِّ عُدْوَانًا فَكَمَا لَا تُعْتَبَرُ فِي الْأَخْذِ شُبْهَةُ الْمِلْكِ دَارِئَةً لِلْقَطْعِ بَلْ يُقْطَعُ إجْمَاعًا كَذَلِكَ الشَّقُّ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ الشَّقُّ سَبَبًا لِلضَّمَانِ إذَا اخْتَارَ الْمَالِكُ التَّضْمِينَ (فَيَثْبُتُ ضَرُورَةُ أَدَاءِ الضَّمَانِ) أَوْ الْقَضَاءِ بِهِ (وَمِثْلُهُ لَا يُورَثُ شُبْهَةً) وَإِلَّا لَثَبَتَ مِثْلُهَا (فِي نَفْسِ الْأَخْذِ)؛ لِأَنَّهُ أَيْضًا يَحْتَمِلُ أَنْ يَصِيرَ سَبَبًا لِلْمِلْكِ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ كَالشَّقِّ فَصَارَ (نَظِيرَ مَا إذَا سَرَقَ الْبَائِعُ مَعِيبًا بَاعَهُ) وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي الْعَيْبَ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ وَإِنْ انْعَقَدَ سَبَبُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ الَّذِي بِهِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا الْخِلَافُ إلَخْ) الْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ الْكَائِنَ فِي الْقَطْعِ هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ النُّقْصَانُ فَاحِشًا وَاخْتَارَ الْمَالِكُ تَضْمِينَ النُّقْصَانِ وَأَخْذَ الثَّوْبِ يُقْطَعُ مَعَ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute