فَإِنْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْقِيمَةِ وَتَرْكَ الثَّوْبِ عَلَيْهِ لَا يُقْطَعُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْأَخْذِ فَصَارَ كَمَا إذَا مَلَكَهُ بِالْهِبَةِ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ النُّقْصَانُ فَاحِشًا، فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا يُقْطَعُ بِالِاتِّفَاقِ لِانْعِدَامِ سَبَبِ الْمِلْكِ إذْ لَيْسَ لَهُ اخْتِيَارُ تَضْمِينِ كُلِّ الْقِيمَةِ
عِنْدَهُمَا. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُقْطَعُ (وَلَوْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْقِيمَةِ وَتَرَكَ الثَّوْبِ عَلَيْهِ لَا يُقْطَعُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْأَخْذِ فَصَارَ كَمَا لَوْ مَلَّكَهُ) إيَّاهُ (بِالْهِبَةِ) بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا يُقْطَعُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ (وَلَوْ كَانَ يَسِيرًا يُقْطَعُ بِالِاتِّفَاقِ لِانْعِدَامِ سَبَبِ الْمِلْكِ وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ تَضْمِينُ كُلِّ الْقِيمَةِ) فَانْتَفَى وَجْهُ أَبِي يُوسُفَ فِي عَدَمِ الْقَطْعِ فِي الْيَسِيرِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْخَرْقَ يَكُونُ يَسِيرًا وَيَكُونُ فَاحِشًا، وَتَارَةً يَكُونُ إتْلَافًا وَاسْتِهْلَاكًا، وَفِيهِ يَجِبُ ضَمَانُ كُلِّ الْقِيمَةِ بِلَا خِيَارٍ؛ لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكٌ، وَعَلَى هَذَا لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ مَا تَمَّتْ السَّرِقَةُ إلَّا بِمَا مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ، وَقَدْ حَدَّهُ التُّمُرْتَاشِيُّ بِأَنْ يَنْقُصَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ. وَأَمَّا الْخَرْقُ الْفَاحِشُ فَقِيلَ مَا يُوجِبُ نُقْصَانَ رُبْعِ الْقِيمَةِ فَصَاعِدًا فَاحِشٌ، وَإِلَّا فَيَسِيرٌ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى فَصَاعِدًا مَا لَمْ يَنْتَهِ إلَى مَا بِهِ يَصِيرُ إتْلَافًا. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْفَاحِشَ مَا يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ الْعَيْنِ وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ، وَالْيَسِيرُ مَا يَفُوتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَنْفَعَةِ ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ.
وَأَوْرَدَ فِي الْكَافِي عَلَى الْقَطْعِ مَعَ إيجَابِ ضَمَانِ النُّقْصَانِ فِي الْخَرْقِ الْيَسِيرِ أَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الْقَطْعِ وَالضَّمَانِ.
وَأَجَابَ فَقَالَ: إنَّمَا لَا يَجْتَمِعَانِ كَيْ لَا يُؤَدِّيَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ جَزَاءِ الْفِعْلِ وَبَدَلِ الْمَحَلِّ فِي جِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُنَا لَا يُؤَدِّي إلَيْهِ؛ إذْ الْقَطْعُ يَجِبُ بِالسَّرِقَةِ وَضَمَانُ النُّقْصَانِ بِالْخَرْقِ وَالْخَرْقُ لَيْسَ مِنْ السَّرِقَةِ فِي شَيْءٍ. وَاسْتُشْكِلَ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ الِاسْتِهْلَاكُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، فَإِنَّهُ فَعَلَ غَيْرَ السَّرِقَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِهِ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ عِصْمَةَ الْمَسْرُوقِ تَسْقُطُ بِالْقَطْعِ، فَكَذَا هُنَا عِصْمَةُ الْمَسْرُوقِ تَسْقُطُ بِالْقَطْعِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ ضَمَانُ النُّقْصَانِ، وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْفَوَائِدِ الْخَبَّازِيَّةِ: وَفِي الصَّحِيحِ لَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ كَيْ لَا يَجْتَمِعَ الْقَطْعُ مَعَ الضَّمَانِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ ضَمِنَ النُّقْصَانَ يَمْلِكُ مَا ضَمِنَهُ فَيَكُونُ هَذَا كَثَوْبٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا فَلَا يَجِبُ الْقَطْعُ لَكِنَّهُ يَجِبُ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا يَضْمَنُ النُّقْصَانَ، وَالْحَقُّ مَا ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ الْأُمَّهَاتِ أَنَّهُ يُقْطَعُ وَيَضْمَنُ النُّقْصَانَ، وَالنَّقْصُ بِالِاسْتِهْلَاكِ غَيْرُ وَارِدٍ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ هُنَاكَ بَعْدَ السَّرِقَةِ بِأَنْ سَرَقَ وَاسْتَهْلَكَ الْمَسْرُوقَ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ مَا إذَا نَقَصَ قَبْلَ تَمَامِ السَّرِقَةِ فَإِنَّ وُجُوبَ قِيمَةِ مَا نَقَصَ ثَابِتٌ قَبْلَ السَّرِقَةِ، ثُمَّ إذَا أَخْرَجَهُ مِنْ الْحِرْزِ كَانَ الْمَسْرُوقُ هُوَ النَّاقِصَ فَالْقَطْعُ حِينَئِذٍ بِذَلِكَ الْمَسْرُوقِ النَّاقِصِ وَلَمْ نُضَمِّنْهُ إيَّاهُ، أَلَا يُرَى إلَى قَوْلِ الْإِمَامِ قَاضِي خَانْ: فَإِنْ كَانَ الْخَرْقُ يَسِيرًا يُقْطَعُ وَيَضْمَنُ النُّقْصَانَ، أَمَّا الْقَطْعُ فَلِأَنَّهُ أَخْرَجَ نِصَابًا كَامِلًا مِنْ الْحِرْزِ عَلَى وَجْهِ السَّرِقَةِ، وَأَمَّا ضَمَانُ النُّقْصَانِ فَلِوُجُودِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute