للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَالًا وَيَقْتُلُوا نَفْسًا حَبَسَهُمْ الْإِمَامُ حَتَّى يُحْدِثُوا تَوْبَةً، وَإِنْ أَخَذُوا مَالَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ، وَالْمَأْخُوذُ إذَا قُسِّمَ عَلَى جَمَاعَتِهِمْ أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا أَوْ مَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ ذَلِكَ قَطَعَ الْإِمَامُ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلَافٍ، وَإِنْ قَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا قَتَلَهُمْ الْإِمَامُ حَدًّا) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ الْآيَةَ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ التَّوْزِيعُ عَلَى الْأَحْوَالِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ: هَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ، وَالرَّابِعَةُ نَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهِ تَعَالَى

خَمْسَةٌ. أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْجَزَاءِ فَإِمَّا أَنْ يُؤْخَذُوا قَبْلَ أَنْ يَأْخُذُوا مَالًا وَيَقْتُلُوا نَفْسًا بَلْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ سِوَى مُجَرَّدِ إخَافَةِ الطَّرِيقِ إلَى أَنْ أُخِذُوا فَحُكْمُهُمْ أَنْ يُعَزَّرُوا وَيُحْبَسُوا إلَى أَنْ تَظْهَرَ تَوْبَتُهُمْ فِي الْحَبْسِ أَوْ يَمُوتُوا. وَأَمَّا إنْ أَخَذُوا مَالَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ وَالْمَأْخُوذُ إذَا قُسِّمَ عَلَى جَمَاعَتِهِمْ أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا أَوْ مَا يَبْلُغُ قِيمَتُهُ ذَلِكَ فَيَقْطَعُ الْإِمَامُ يَدَ كُلٍّ مِنْهُمْ الْيُمْنَى وَرِجْلَهُ الْيُسْرَى.

وَأَمَّا إنْ قَتَلُوا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا وَلَوْ يَأْخُذُوا مَالًا فَيَقْتُلُهُمْ الْإِمَامُ حَدًّا، وَمَعْنَى حَدًّا أَنَّهُ لَوْ عَفَا أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِينَ لَا يَقْبَلُ عَفْوَهُمْ لِأَنَّ الْحَدَّ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُسْمَعُ فِيهِ عَفْوُ غَيْرِهِ، فَمَتَى عَفَا عَنْهُمْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى.

وَالرَّابِعَةُ أَنْ يَأْخُذُوا الْمَالَ وَيَقْتُلُوا، وَسَتَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهِ تَعَالَى. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: وَإِنْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ يُقْتَلُ قِصَاصًا، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرْنَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ إذَا أَمْكَنَهُ أَخْذُ الْمَالِ فَلَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا وَمَالَ إلَى الْقَتْلِ، فَإِنَّا سَنَذْكُرُ فِي نَظِيرِهَا أَنَّهُ يُقْتَلُ قِصَاصًا خِلَافًا لِعِيسَى بْنِ أَبَانَ.

وَفِيهَا أَيْضًا إنْ خَرَجَ عَلَى الْقَافِلَةِ فِي الطَّرِيقِ وَأَخَافَ النَّاسَ وَلَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ يُعَزَّرُ وَيُخْلَى سَبِيلُهُ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ مِنْ أَنَّهُ يُحْبَسُ امْتِثَالًا لِلنَّفْيِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ.

وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا هُوَ أَعَمُّ فَالْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ. وَالْخَامِسَةُ أَنْ يُؤْخَذُوا بَعْدَ مَا أَحْدَثُوا تَوْبَةً وَتَأْتِي أَيْضًا فِي الْكِتَابِ، وَالتَّقْيِيدُ بِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ لِيَخْرُجَ الْمُسْتَأْمَنُ، فَلَوْ قَطَعُوا الطَّرِيقَ عَلَى مُسْتَأْمَنٍ لَمْ يَلْزَمْهُمْ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا إلَّا التَّعْزِيرُ وَالْحَبْسُ بِاعْتِبَارِ إخَافَةِ الطَّرِيقِ وَإِخْفَاءِ ذِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ مَالَهُ غَيْرُ مَعْصُومٍ عَلَى التَّأْبِيدِ، وَبَاقِي الشُّرُوطِ مِنْ كَوْنِ ذَلِكَ فِي بَرِّيَّةٍ لَا فِي مِصْرٍ وَلَا قَرْيَةٍ وَلَا بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُقَدِّمُهُ الشَّارِحُونَ يَأْتِي ذَلِكَ كُلُّهُ فِي الْكِتَابِ مُفَصَّلًا (وَالْأَصْلُ فِيهِ) أَيْ فِي تَوْزِيعِ الْأَجْزِيَةِ كَمَا ذَكَرْنَا عَلَى الْجِنَايَاتِ الْمَذْكُورَةِ قَوْله تَعَالَى ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا﴾ الْآيَةَ؛ سَمَّى قَاطِعَ الطَّرِيقِ مُحَارِبًا لِلَّهِ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ مُعْتَمِدٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَاَلَّذِي يُزِيلُ أَمْنَهُ مُحَارِبٌ لِمَنْ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ فِي تَحْصِيلِ الْأَمْنِ، وَأَمَّا مُحَارَبَتُهُ لِرَسُولِهِ فَإِمَّا بِاعْتِبَارِ عِصْيَانِ أَمْرِهِ، وَإِمَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الرَّسُولَ هُوَ الْحَافِظُ لِطَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْخُلَفَاءُ وَالْمُلُوكُ بَعْدَهُ نُوَّابُهُ، فَإِذَا قَطَعَ الطَّرِيقَ الَّتِي تَوَلَّى حِفْظَهَا بِنَفْسِهِ وَنَائِبِهِ فَقَدْ حَارَبَهُ أَوْ هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ يُحَارِبُونَ عِبَادَ اللَّهِ، وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ تَقْدِيرِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ يَثْبُتُ بِالْقَطْعِ عَلَى الْكَافِرِ الذِّمِّيِّ (وَالْمُرَادُ مِنْ الْآيَةِ التَّوْزِيعُ) أَيْ تَوْزِيعُ الْأَجْزِيَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى أَنْوَاعِ قَطْعِ الطَّرِيقِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَاللَّيْثُ وَإِسْحَاقُ وَقَتَادَةُ وَأَصْحَابُ أَحْمَدَ وَقَالَ عَطَاءٌ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ وَالنَّخَعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد: الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِيهِ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ مُطْلَقًا. وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا رَأَى الْإِمَامُ الْقَاطِعَ جَلْدًا ذَا رَأْيٍ قَتَلَهُ، وَإِنْ كَانَ جَلْدًا

<<  <  ج: ص:  >  >>