للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَحَدِّ السَّرِقَةِ وَالرَّجْمِ. وَلَهُمَا أَنَّ هَذِهِ عُقُوبَةٌ وَاحِدَةٌ تَغَلَّظَتْ لِتَغَلُّظِ سَبَبِهَا، وَهُوَ تَفْوِيتُ الْأَمْنِ عَلَى التَّنَاهِي بِالْقَتْلِ وَأَخْذِ الْمَالِ، وَلِهَذَا كَانَ قَطْعُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مَعًا فِي الْكُبْرَى حَدًّا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَا فِي الصُّغْرَى حَدَّيْنِ، وَالتَّدَاخُلُ فِي الْحُدُودِ لَا فِي حَدٍّ وَاحِدٍ. ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ التَّخْيِيرَ بَيْن الصَّلْبِ وَتَرْكِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَتْرُكُهُ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، وَالْمَقْصُودُ التَّشْهِيرُ لِيَعْتَبِرَ بِهِ غَيْرُهُ. وَنَحْنُ نَقُولُ أَصْلُ التَّشْهِيرِ بِالْقَتْلِ وَالْمُبَالَغَةِ بِالصَّلْبِ فَيُخَيَّرُ فِيهِ. ثُمَّ قَالَ (وَيُصْلَبُ حَيًّا وَيُبْعَجُ بَطْنُهُ بِرُمْحٍ إلَى أَنْ يَمُوتَ) وَمِثْلَهُ عَنْ الْكَرْخِيِّ. وَعَنْ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يُقْتَلُ ثُمَّ يُصْلَبُ تَوَقِّيًا عَنْ الْمُثْلَةِ.

وَجْهُ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ الصَّلْبَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَبْلَغُ فِي الرَّدْعِ وَهُوَ

كَحَدِّ السَّرِقَةِ وَالرَّجْمِ) إذَا اجْتَمَعَا بِأَنْ سَرَقَ الْمُحْصَنُ ثُمَّ زَنَى فَإِنَّهُ يُرْجَمُ وَلَا يُقْطَعُ اتِّفَاقًا (وَلَهُمَا) أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَهَذَا عَلَى اعْتِبَارِ أَبِي يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا مَعَ مُحَمَّدٍ (أَنَّ هَذِهِ) الْجِنَايَةَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ قَطَعَ الطَّرِيقَ فَهَذَا الْمَجْمُوعُ مِنْ الْقَطْعِ وَالْقَتْلِ أَيْضًا (عُقُوبَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنَّمَا تَغَلَّظَتْ لِتَغَلُّظِ سَبَبِهَا) حَيْثُ بَلَغَ النِّهَايَةَ فِي تَفْوِيتِ الْأَمْنِ (حَيْثُ فَوَّتَ الْأَمْنَ عَلَى الْمَالِ وَالنَّفْسِ بِالْقَتْلِ وَأَخْذِ الْمَالِ) وَكَوْنُهَا أُمُورًا مُتَعَدِّدَةً لَا يَسْتَلْزِمُ تَعَدُّدَ الْحُدُودِ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ؛ أَلَّا يُرَى أَنَّ قَطْعَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ فِيهَا حَدٌّ وَاحِدٌ وَهُوَ فِي الصُّغْرَى حَدَّانِ، وَلِأَنَّ مُقْتَضَى التَّوْزِيعِ الَّذِي لَزِمَ اعْتِبَارُهُ أَنْ يَتَعَيَّنَ الْقَطْعُ ثُمَّ الْقَتْلُ؛ لِأَنَّ التَّوْزِيعَ أَدَّى إلَى أَنَّ مَنْ أَخَذَ الْمَالَ قُطِعَ.

وَهَذَا قَدْ أَخَذَهُ فَيُقْطَعُ، وَأَنَّ مَنْ قَتَلَ يُقْتَلُ أَوْ يُصْلَبُ، وَهَذَا قَتَلَ فَيَجِبُ أَنْ يُجْمَعَ لَهُ بَيْنَ الْقَطْعِ وَالْقَتْلِ، إلَّا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِيمَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى الِانْفِرَادِ، فَأَمَّا عَلَى الِاجْتِمَاعِ فَجَازَ أَنْ يُؤْخَذَ حُكْمُهُ مِنْ الِانْفِرَادِ فَجَازَ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ، وَمَا ذَكَرَ مِنْ دُخُولِ مَا دُونَ النَّفْسِ فِي النَّفْسِ هُوَ مَا إذَا كَانَا حَدَّيْنِ أَحَدُهُمَا غَيْرُ النَّفْسِ وَالْآخَرُ النَّفْسُ، أَمَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ حَدًّا وَاحِدًا فَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَتِهِ فَهِيَ أَجْزَاءُ حَدٍّ وَاحِدٍ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ بَدَأَ بِالْجُزْءِ الَّذِي لَا تَتْلَفُ بِهِ النَّفْسُ فَعَلَى الْآخَرِ، وَإِنْ بَدَأَ بِمَا تَتْلَفُ بِهِ لَا يَفْعَلُ الْآخَرَ لِانْتِفَاءِ الْفَائِدَةِ، وَهُوَ الضَّرْبُ بَعْدَ الْمَوْتِ (قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ) أَيْ الْقُدُورِيُّ فِيمَا إذَا اخْتَارَ الْإِمَامُ صَلْبَهُ، أَوْ مَا إذَا قُلْنَا بِلُزُومِهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ (يُصْلَبُ حَيًّا وَيُبْعَجُ بَطْنُهُ إلَى أَنْ يَمُوتَ، وَمِثْلُهُ عَنْ الْكَرْخِيِّ وَجْهُ قَوْلِهِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ الصَّلْبَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَبْلُغُ فِي الرَّدْعِ)

وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ الزَّجْرُ وَهُوَ بِمَا يَحْصُلُ فِي الْحَيَاةِ لَا بِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: النَّصُّ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَالَ: ﴿أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا﴾ فَلَزِمَ كَوْنُ الصَّلْبِ بِلَا قَتْلٍ لِأَنَّهُ مُعَانِدٌ لَهُ بِحَرْفِ الْعِنَادِ فَلَا يَتَصَادَقُ مَعَهُ، وَالْقَتْلُ الَّذِي يَعْرِضُ بَعْدَ الصَّلْبِ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ.

وَعَنْ الطَّحَاوِيِّ يُقْتَلُ ثُمَّ يُصْلَبُ تَوَقِّيًا عَنْ الْمُثْلَةِ، فَإِنَّهَا نُسِخَتْ مِنْ لَدُنْ الْعُرَنِيِّينَ عَلَى مَا عُرِفَ.

لَا يُقَالُ: وَجْهُ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لَا يَخْفَى

<<  <  ج: ص:  >  >>