للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ حَقُّ الشَّرْعِ.

(وَ) الرَّابِعَةُ (إذَا قَتَلُوا وَأَخْذُو الْمَالَ فَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلَافٍ وَقَتَلَهُمْ وَصَلَبَهُمْ، وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ، وَإِنْ شَاءَ صَلَبَهُمْ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُقْتَلُ أَوْ يُصْلَبُ وَلَا يُقْطَعُ) لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا تُوجِبُ حَدَّيْنِ، وَلِأَنَّ مَا دُونَ النَّفْسِ يَدْخُلُ فِي النَّفْسِ فِي بَابِ الْحَدِّ

الْيُسْرَى بِالْإِجْمَاعِ كَيْ لَا يَثْوَى نِصْفُهُ، وَكَذَا الْأَحْكَامُ السَّابِقَةُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ يُسْرَاهُ شَلَّاءَ لَا تُقْطَعُ يَمِينُهُ، وَكَذَا رِجْلُهُ الْيُمْنَى لَوْ كَانَتْ شَلَّاءَ لَا تُقْطَعُ الْيُسْرَى، وَلَوْ كَانَ مَقْطُوعَ الْيَدِ الْيُمْنَى لَا تُقْطَعُ لَهُ يَدٌ، وَكَذَا الرِّجْلُ الْيُسْرَى.

فَإِنْ قُلْت: لَيْسَ فِي الْأَجْزِيَةِ الْمُوَزَّعَةِ الْحَبْسُ. قُلْنَا: هُوَ الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ لَا يُعْمَلُ بِهِ وَهُوَ النَّفْيُ مِنْ الْأَرْضِ: أَيْ مِنْ وَجْهِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ مَا دَامَ حَيًّا، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى بَعْضِهَا وَهِيَ بَلْدَتُهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ، وَهُوَ دَفْعُ أَذَاهُ عَنْ النَّاسِ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ ذَا مَنَعَةٍ يَقْطَعُ الطَّرِيقَ فِيمَا يَصِيرُ إلَيْهِ مِنْ الْبَلْدَةِ الْأُخْرَى فَعَمِلْنَا بِمَجَازِهِ، وَهُوَ الْحَبْسُ، فَإِنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ الدُّنْيَا.

قَالَ صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ فِيمَا ذَكَرَهُ الشَّرِيفُ فِي الْغُرَرِ:

خَرَجْنَا مِنْ الدُّنْيَا وَنَحْنُ مِنْ أَهْلِهَا … فَلَسْنَا مِنْ الْأَحْيَاءِ فِيهَا وَلَا الْمَوْتَى

إذَا جَاءَنَا السَّجَّانُ يَوْمًا لِحَاجَةٍ … عَجِبْنَا وَقُلْنَا جَاءَ هَذَا مِنْ الدُّنْيَا

وَلِمَا رَأَى مَالِكٌ أَنَّ مُجَرَّدَ النَّفْيِ لَا يُفِيدُ فِي الْمَقْصُودِ قَالَ: يُحْبَسُ فِي بَلْدَةِ النَّفْيِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَتَفَاوَتُ بِالْحَبْسِ فِي بَلْدَةِ النَّفْيِ وَغَيْرِهَا فَيَقَعُ تَعْيِينُ بَلْدَةِ النَّفْيِ فِي غَيْرِ الْفَائِدَةِ الْمَطْلُوبَةِ (قَوْلُهُ وَالرَّابِعَةُ) أَيْ مِنْ أَنْوَاعِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ (مَا إذَا قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ فَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ مِنْ خِلَافٍ وَقَتَلَهُمْ وَصَلَبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ) بِلَا صَلْبٍ وَقَطْعٍ (وَإِنْ شَاءَ صَلَبَهُمْ) أَحْيَاءً ثُمَّ قَتَلَهُمْ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : لَا بُدَّ مِنْ الصَّلْبِ لِلنَّصِّ فِي الْحَدِّ، وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْحَدِّ كَالْقَتْلِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ. أَجَابَ بِأَنَّ أَصْلَ التَّشْهِيرِ يَحْصُلُ بِالْقَتْلِ وَالْمُبَالَغَةِ بِالصَّلْبِ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ صَلَبَ الْعُرَنِيِّينَ وَلَا غَيْرُهُ صَلَبَ أَحَدًا، مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ النَّصِّ لَا يُحَتِّمُ الصَّلْبَ، فَإِنَّ قَوْلَهُ ﴿أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا﴾ إنَّمَا يُفِيدُ أَنْ يُقَتَّلُوا بِلَا صَلْبٍ أَوْ يُصَلَّبُوا بِلَا قَتْلٍ، لَكِنْ يُقْتَلُ بَعْدَ الصَّلْبِ مَصْلُوبًا بِالْإِجْمَاعِ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يُقْطَعُ وَلَكِنْ يُقْتَلُ أَوْ يُصْلَبُ. وَفِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ مِنْ الْمَباسِيطِ وَشُرُوحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ذِكْرُ أَبِي يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ الْقَاطِعُ ذَا رَأْيٍ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ مَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الصَّلْبِ وَمَعَ مُحَمَّدٍ فِي أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ (وَجْهُ قَوْلِهِمْ: إنَّهُ جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ) هِيَ جِنَايَةُ قَطْعِ الطَّرِيقِ (فَلَا تُوجِبُ حَدَّيْنِ، وَلِأَنَّ مَا دُونَ النَّفْسِ فِي بَابِ الْحَدِّ يَدْخُلُ فِي النَّفْسِ

<<  <  ج: ص:  >  >>