للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَنْهُ إنْ قَاتَلُوا نَهَارًا بِالسِّلَاحِ أَوْ لَيْلًا بِهِ أَوْ بِالْخَشَبِ فَهُمْ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ لِأَنَّ السِّلَاحَ لَا يَلْبَثُ وَالْغَوْثُ يُبْطِئُ بِاللَّيَالِيِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ قَطْعَ الطَّرِيقِ بِقَطْعِ الْمَارَّةِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الْمِصْرِ وَيَقْرُبُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لُحُوقُ الْغَوْثِ، إلَّا أَنَّهُمْ يُؤْخَذُونَ بِرَدِّ الْمَالِ أَيْضًا لَا لِلْحَقِّ إلَى الْمُسْتَحِقِّ، وَيُؤَدَّبُونَ وَيُحْبَسُونَ لِارْتِكَابِهِمْ الْجِنَايَةَ، وَلَوْ قَتَلُوا فَالْأَمْرُ فِيهِ إلَى الْأَوْلِيَاءِ لِمَا بَيَّنَّا

(وَمَنْ خَنَقَ رَجُلًا حَتَّى قَتَلَهُ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ، وَسَنُبَيِّنُ فِي بَابِ الدِّيَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِنْ خَنَقَ فِي الْمِصْرِ غَيْرَ مَرَّةٍ قُتِلَ بِهِ)؛ لِأَنَّهُ صَارَ سَاعِيًا فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ فَيُدْفَعُ شَرُّهُ بِالْقَتْلِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

بِالسِّلَاحِ نَهَارًا فِي الْمِصْرِ فَهُوَ قَاطِعٌ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِ مِنْ الْخَشَبِ وَنَحْوِهِ فَلَيْسَ بِقَاطِعٍ، وَفِي اللَّيْلِ يَكُونُ قَاطِعًا بِالْخَشَبِ وَالْحَجَرِ (لِأَنَّ السِّلَاحَ لَا يَلْبَثُ) فَيَتَحَقَّقُ الْقَطْعُ قَبْلَ الْغَوْثِ (وَالْغَوْثُ يُبْطِئُ بِاللَّيَالِيِ) فَيَتَحَقَّقُ بِلَا سِلَاحٍ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ قَطْعَ الطَّرِيقِ بِقَطْعِ الْمَارَّةِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الْمِصْرِ وَمَا يَقْرُبُ مِنْهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ لُحُوقُ الْغَوْثِ) وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْحَدَّ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ لَمْ يُنَطْ بِمُسَمَّى قَطْعِ الطَّرِيقِ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْمٌ بَيْنَ النَّاسِ، وَإِنَّمَا أُنِيطَ بِمُحَارَبَةِ عِبَادِ اللَّهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَقْدِيرِ الْمُضَافِ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ فِي الْمِصْرِ وَخَارِجِهِ، ثُمَّ هَذَا الدَّلِيلُ الْمَذْكُورُ لَا يُفِيدُ تَعْيِينَ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَيْنَ الْمِصْرِ وَالْقَاطِعِ.

وَلَا شَكَّ فِي أَنْ لَيْسَ لُحُوقُ الْغَوْثِ فِي ذَلِكَ الْمِقْدَارِ ظَاهِرًا وَهُوَ مَا عَلَّلَ بِهِ لِلظَّاهِرِ، وَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُمْ لَيْسُوا قُطَّاعًا فَسَبِيلُهُمْ أَنْ يُضْرَبُوا وَيُحْبَسُوا، وَإِنْ قَتَلُوا لَزِمَ الْقِصَاصُ وَأَحْكَامُهُ، وَإِنْ أَخَذُوا مَالًا ضَمِنُوهُ إذَا أَتْلَفُوهُ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُمْ قُطَّاعٌ إنْ قَتَلُوا قُتِلُوا حَدًّا فَلَا يُقْبَلُ عَفْوَ الْأَوْلِيَاءِ فِيهِمْ ثُمَّ لَا يَضْمَنُونَ عَلَى مَا سَمِعْت.

وَقَوْلُهُ (لِمَا بَيَّنَّا) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ لِظُهُورِ حَقِّ الْعَبْدِ عِنْدَ انْدِفَاعِ الْحَدِّ

(قَوْلُهُ: وَمَنْ خَنَقَ رَجُلًا حَتَّى قَتَلَهُ لَزِمَتْهُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ، وَسَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الدِّيَاتِ) وَظَاهِرٌ أَنَّهَا لَيْسَتْ مَسْأَلَةَ الْمُثْقَلِ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى أَنَّهَا مِثْلُهَا فِي ثُبُوتِ الشُّبْهَةِ عِنْدَهُ فِي الْعَمْدِ حَيْثُ كَانَتْ الْآلَةُ فِيهَا قُصُورٌ يُوجِبُ التَّرَدُّدَ فِي أَنَّهُ قَصَدَ قَتْلَهُ بِهَذَا الْفِعْلِ أَوْ قَصَدَ الْمُبَالَغَةَ فِي إيلَامِهِ وَإِدْخَالَ الضَّرَرِ عَلَى نَفْسِهِ فَاتَّفَقَ مَوْتُهُ وَعَدَمُ احْتِمَالِهِ لِذَلِكَ (فَإِنْ خَنَقَ غَيْرَ مَرَّةٍ قُتِلَ) الْآنَ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ قَصْدُهُ إلَى الْقَتْلِ بِالتَّخْنِيقِ حَيْثُ عُرِفَ إفْضَاؤُهُ إلَى الْقَتْلِ ثُمَّ صَارَ يَعْتَمِدُهُ (وَلِأَنَّهُ صَارَ سَاعِيًا فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ) وَكُلُّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ (يُدْفَعُ شَرُّهُ بِالْقَتْلِ).

[فُرُوعٌ]

نَصَّ فِي الْأَصْلِ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ وَالْمَرْأَةَ فِي حُكْمِ قَطْعِ الطَّرِيقِ كَغَيْرِهِمَا، أَمَّا الْعَبْدُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَكَغَيْرِهَا فِي السَّرِقَةِ الْكُبْرَى فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّحَاوِيِّ لِأَنَّ الْوَاجِبَ قَطْعٌ وَقَتْلٌ وَهِيَ كَالرَّجُلِ فِي جَرَيَانِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَيْهَا عِنْدَ تَحَقُّقِ السَّبَبِ مِنْهَا. وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ حَدَّ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ لَا يَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ، لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>