. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
السَّبَبَ هُوَ الْمُحَارَبَةُ، وَالْمَرْأَةُ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ لَيْسَتْ مُحَارِبَةً كَالصَّبِيِّ؛ أَلَا يُرَى أَنَّهَا فِي اسْتِحْقَاقِ مَا يُسْتَحَقُّ بِالْمُحَارَبَةِ وَهُوَ السَّهْمُ مِنْ الْغَنِيمَةِ لَا يُسَوَّى بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَكَذَا فِي الْعُقُوبَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ بِالْمُحَارَبَةِ، وَلَكِنْ يَرِدُ عَلَى هَذَا الْعَبْدُ فَإِنَّهُ لَا يُسَاوِي الْحُرَّ فِي اسْتِحْقَاقِ الْغَنِيمَةِ وَيُسَاوِيهِ فِي هَذَا الْحَدِّ. وَفِي الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْعُقُوبَةِ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي النِّسَاءِ. وَذَكَرَ هِشَامٌ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: إذَا قَطَعَ قَوْمٌ الطَّرِيقَ وَمَعَهُمْ امْرَأَةٌ فَبَاشَرَتْ الْمَرْأَةُ الْقَتْلَ وَأَخَذَتْ الْمَالَ دُونَ الرِّجَالِ فَإِنَّهُ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَيْهِمْ لَا عَلَيْهَا. وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَامُ عَلَيْهَا وَلَا يُقَامُ عَلَيْهِمْ. وَذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهُ يُدْرَأُ عَنْهُمْ جَمِيعًا لِكَوْنِ الْمَرْأَةِ فِيهِمْ وَجَعَلَ الْمَرْأَةَ كَالصَّبِيِّ.
وَالْعَجَبُ مِمَّنْ يَذْكُرُ هَذِهِ، أَعْنِي كَوْنَ الْمَرْأَةِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْقَطْعِ ثُمَّ يَقْتَصِرُ عَلَى ذِكْرِ الْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِيهَا وَيَذْكُرُ حَاصِلَ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا وَيَتْرُكُ نَقَلَ مَا فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّهَا كَالرِّجَالِ مَنْسُوبًا إلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَعَ مُسَاعَدَةِ الْوَجْهِ وَوُرُودِ النَّقْضِ الصَّحِيحِ عَلَى مُخْتَارِ الْكَرْخِيِّ بِالْعَبْدِ كَمَا ذَكَرْنَا. وَمِمَّنْ نَقَلَ ذَلِكَ صَاحِبُ الدِّرَايَةِ وَصَاحِبُ الْفَتَاوَى الْكُبْرَى وَالْمُصَنَّفُ فِي التَّجْنِيسِ وَغَيْرُهُمْ مَعَ ضَعْفِ الْأَوْجُهِ الْمَذْكُورَةِ فِي التَّفْرِقَةِ مِثْلَ الْفَرْقِ بِضَعْفِ الْبَيِّنَةِ فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مِنْ الْكَلَامِ الضَّعِيفِ مَعَ مُصَادَمَتِهِ إطْلَاقَ الْكِتَابِ الْمُحَارِبِينَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ. وَمَا فِي النَّوَازِلِ مِنْ قَوْلِهِ عَشْرُ نِسْوَةٍ قَطَعْنَ الطَّرِيقَ فَقَتَلْنَ وَأَخَذْنَ الْمَالَ قُتِلْنَ وَضَمِنَّ الْمَالَ بِنَاءً عَلَى غَيْرِ الظَّاهِرِ مِنْ أَنَّهُنَّ لَسْنَ مُحَارِبَاتٍ. وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا قَاتَلَتْ الْعَدُوَّ وَأُسِرَتْ لَمْ تُقْتَلْ، وَإِنَّمَا قُتِلْنَ بِقَتْلِهِنَّ وَالضَّمَانُ لِأَخْذِهِنَّ الْمَالَ،
وَيَثْبُتُ قَطْعُ الطَّرِيقِ بِالْإِقْرَارِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَأَبُو يُوسُفَ شَرَطَ مَرَّتَيْنِ كَقَوْلِهِ فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى وَيُقْبَلُ رُجُوعُ الْقَاطِعِ كَمَا فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى فَيَسْقُطُ الْحَدُّ وَيُؤْخَذُ بِالْمَالِ إنْ كَانَ أَقَرَّ بِهِ مَعَهُ وَبِالْبَيِّنَةِ بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ عَلَى مُعَايَنَةِ الْقَطْعِ أَوْ الْإِقْرَارِ، فَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْمُعَايَنَةِ، وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِهِمْ بِهِ لَا يُقْبَلُ، وَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالْقَطْعِ عَلَى أَبِي الشَّاهِدِ وَإِنْ عَلَا وَابْنِهِ وَإِنْ سَفَلَ، وَلَوْ قَالَا قَطَعُوا عَلَيْنَا وَعَلَى أَصْحَابِنَا وَأَخَذُوا مَالَنَا لَا يُقْبَلُ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا لِأَنْفُسِهِمَا، وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ قَطَعُوا عَلَى رَجُلٍ مِنْ عَرَضِ النَّاسِ وَلَهُ وَلِيٌّ يُعْرَفُ أَوْ لَا يُعْرَفُ لَا يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَيْهِمْ إلَّا بِمَحْضَرٍ مِنْ الْخَصْمِ، وَلَوْ قَطَعُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ عَلَى تُجَّارٍ مُسْتَأْمَنِينَ أَوْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي مَوْضِعٍ غَلَبَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْبَغْيِ ثُمَّ أَتَى بِهِمْ إلَى الْإِمَامِ لَا يَمْضِي عَلَيْهِمْ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُمْ بَاشَرُوا السَّبَبَ حِينَ لَمْ يَكُونُوا تَحْتَ يَدِهِ، وَفِي مَوْضِعٍ لَا يَجْرِي بِهِ حُكْمُهُ فَلَمْ يَنْعَقِدْ فِعْلُهُمْ مُوجِبًا عَلَيْهِ الْإِقَامَةَ عَلَيْهِمْ فَلَا يَفْعَلُهُ، وَمِثْلُهُ تَقَدَّمَ فِي الزِّنَا فِي دَارِ الْحَرْبِ.
وَلَوْ رُفِعُوا إلَى قَاضٍ يَرَى تَضْمِينَهُمْ الْمَالَ فَضَمَّنَهُمْ وَسَلَّمَهُمْ إلَى أَوْلِيَاءِ الْقَوَدِ فَصَالَحُوهُمْ عَلَى الدِّيَاتِ ثُمَّ رُفِعُوا بَعْدَ زَمَانٍ إلَى قَاضٍ آخَرَ لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِمْ الْحَدُّ، إمَّا لِتَقَادُمِ الْعَهْدِ وَفِيهِ نَظَرٌ، أَوْ لِعَدَمِ الْخَصْمِ وَقَدْ سَقَطَ خُصُومَتُهُمْ بِمَا وَصَلَ إلَيْهِمْ أَوْ لِقَضَاءِ الْأَوَّلِ فَيَتِمُّ بِذَلِكَ لِنَفَاذِهِ؛ إذْ هُوَ فِي فَصْلٍ مُجْتَهِدٍ فِيهِ مِنْ تَقَرُّرِ الضَّمَانِ. وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِمْ بِالْقَتْلِ وَحَبَسَهُمْ لِذَلِكَ فَذَهَبَ أَجْنَبِيٌّ فَقَتَلَهُمْ.
لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ قَطَعَ يَدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَتْ حُرْمَةُ نَفْسِهِ سَقَطَتْ حُرْمَةُ أَطْرَافِهِ، وَلَوْ قَتَلَهُ قَبْلَ الثُّبُوتِ عَلَيْهِ ثُمَّ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِقَطْعِهِ لِلطَّرِيقِ اُقْتُصَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً، ثُمَّ لَا يَقْضِي الْقَاضِي بِحِلِّ دَمِهِ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ مَا قَتَلَ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ، فَوُجُودُ هَذِهِ الْبَيِّنَةِ كَعَدَمِهَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ وَلِيَّ الَّذِي قَتَلَهُ الْقَاطِعُ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِظُهُورِ أَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّ نَفْسِهِ.
وَلَوْ أَنَّ لُصُوصًا أَخَذُوا مَتَاعَ قَوْمٍ فَاسْتَعَانُوا بِقَوْمٍ وَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِمْ إنْ كَانَ أَرْبَابُ الْمَتَاعِ مَعَهُمْ حَلَّ قِتَالُهُمْ، وَكَذَا إذَا غَابُوا وَالْخَارِجُونَ يَعْرِفُونَ مَكَانَهُمْ وَيَقْدِرُونَ عَلَى رَدِّ الْمَتَاعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute