بِخِلَافِ حَالَةِ الْمَخْمَصَةِ لِأَنَّهُ لَا يُمْتَنَعُ مَخَافَةَ الضَّمَانِ لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَاءِ نَفْسِهِ.
أَمَّا الْجِهَادُ فَمَبْنِيٌّ عَلَى إتْلَافِ النَّفْسِ فَيُمْتَنَعُ حِذَارَ الضَّمَانِ
الْأَوَّلُ أَنَّا أُمِرْنَا بِقِتَالِهِمْ مُطْلَقًا، وَلَوْ اُعْتُبِرَ هَذَا الْمَعْنَى انْسَدَّ بَابُهُ، لِأَنَّ حِصْنًا مَا أَوْ مَدِينَةً قَلَّمَا تَخْلُو عَنْ أَسْرِ مُسْلِمٍ فَلَزِمَ مِنْ افْتِرَاضِ الْقِتَالِ مَعَ الْوَاقِعِ مِنْ عَدَمِ خُلُوِّ مَدِينَةٍ أَوْ حِصْنٍ عَادَةً إهْدَارُ اعْتِبَارِ وُجُودِهِ فِيهِ، وَصَارَ كَرَمْيِهِمْ مَعَ الْعِلْمِ بِوُجُودِ أَوْلَادِهِمْ وَنِسَائِهِمْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إجْمَاعًا مَعَ الْعِلْمِ بِوُجُودِ مَنْ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ فِيهِمْ وَاحْتِمَالُ قَتْلِهِ وَهُوَ الْجَامِعُ، غَيْرَ أَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِالرَّمْيِ إلَّا الْكَافِرَ لِأَنَّ قَصْدَ الْمُسْلِمِ بِالْقَتْلِ حَرَامٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَفْتَرِضْ وَهُوَ مَا إذَا فُتِحَتْ الْبَلْدَةُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: إذَا فَتْحَ الْإِمَامُ بَلْدَةً وَمَعْلُومٌ أَنَّ فِيهَا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا لَا يَحِلُّ قَتْلُ أَحَدٍ مِنْهُمْ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ ذَلِكَ الْمُسْلِمَ أَوْ الذِّمِّيَّ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَلَوْ أَخْرَجَ وَاحِدًا مِنْ عَرَضِ النَّاسِ حَلَّ إذَنْ قَتْلُ الْبَاقِي لِجَوَازِ كَوْنِ الْمُخْرَجِ هُوَ ذَاكَ فَصَارَ فِي كَوْنِ الْمُسْلِمِ فِي الْبَاقِينَ شَكٌّ، بِخِلَافِ الْحَالَةِ الْأُولَى فَإِنَّ كَوْنَ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ فِيهِمْ مَعْلُومٌ بِالْفَرْضِ فَوَقَعَ الْفَرْقُ الثَّانِي أَنَّ فِيهِ دَفْعَ الضَّرَرِ الْعَامِّ بِالذَّبِّ عَنْ بَيْضَةِ الْإِسْلَامِ بِإِثْبَاتِ الضَّرَرِ الْخَاصِّ وَهُوَ وَاجِبٌ، ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ أَحَالَ وَجْهَ مَسْأَلَةِ التَّتَرُّسِ عَلَى وَجْهَيْ مَسْأَلَةِ مَا إذَا كَانَ فِيهِمْ أَسِيرٌ مُسْلِمٌ حِينَئِذٍ أَوْ تَاجِرٌ.
وَقَدْ يُقَالُ إنْ سَلِمَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو أَهْلُ حِصْنٍ عَنْ تَاجِرٍ أَوْ أَسِيرٍ، فَإِطْلَاقُ افْتِرَاضِ الْقِتَالِ إهْدَارٌ لِاعْتِبَارِهِ مَانِعًا فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَخْلُو أَهْلُ حِصْنٍ أَنْ يَتَتَرَّسُوا بِالْمُسْلِمِينَ لِيَكُونَ إطْلَاقُ الِافْتِرَاضِ إهْدَارًا لِحُرْمَةِ الرَّمْيِ، فَإِنَّ الْمُشَاهَدَةَ نَفَتْهُ فَوَجَبَ أَنْ يَتَقَيَّدَ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ طَرِيقًا إلَى قَتْلِ الْمُسْلِمِ غَالِبًا. وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّهُ دَفْعُ الضَّرَرِ الْعَامِّ بِإِلْحَاقِ الضَّرَرِ الْخَاصِّ فَقَدْ يُقَالُ إنَّ ذَلِكَ عِنْدَ الْعِلْمِ بِانْهِزَامِ الْمُسْلِمِينَ لَوْ لَمْ يَرْمِ وَحَلَّ الرَّمْيُ عِنْدَ ذَلِكَ لَمْ يَتَقَيَّدْ بِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ كُلَّ قِتَالٍ مَعَ الْكُفَّارِ هُوَ دَفْعُ الضَّرَرِ الْعَامِّ بِالذَّبِّ عَنْ بَيْضَةِ الْإِسْلَامِ: أَيْ مُجْتَمَعِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ الظَّفَرُ تَضَرَّرَ الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ وَهُوَ مَحَلُّ تَأَمُّلٍ، وَبِتَقْدِيرِهِ هُوَ ضَرَرٌ خَفِيفٌ أَشَدُّ مِنْهُ قَتْلُ الْمُسْلِمِ فِي غَالِبِ الظَّنِّ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الضَّرَرُ الْعَامُّ مُقَدَّمًا عَلَى هَذَا إذَا كَانَ فِيهِ هَزِيمَتُهُمْ وَنَحْوُهَا. فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَمْ يَغْرَمْ الدِّيَةَ إذَا أُصِيبَ مُسْلِمٌ مَعَ قَوْلِهِ ﵊ «لَيْسَ فِي الْإِسْلَامِ دَمٌ مُفْرَجٌ» أَيْ مُهْدَرٌ.
أُجِيبَ بِأَنَّهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِالْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَغَيْرِهِمْ فَجَازَ تَخْصِيصُهُ بِالْمَعْنَى، وَهُوَ مَا ذُكِرَ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّ الْفُرُوضَ لَا تُقْرَنُ بِالْغَرَامَاتِ كَمَا ذَكَرْنَا فِيمَا لَوْ مَاتَ مَنْ عَزَّرَهُ الْقَاضِي أَوْ حَدَّهُ أَنَّهُ لَا دِيَةَ فِيهِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِذَلِكَ فَرْضٌ عَلَيْهِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَإِلَّا امْتَنَعَ عَنْ الْإِقَامَةِ (بِخِلَافِ) الْمُضْطَرِّ (حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ) عَنْ الْأَكْلِ (مَخَافَةَ الضَّمَانِ) لِأَنَّ فِي الِامْتِنَاعِ هَلَاكُ نَفْسِهِ وَالضَّمَانُ أَخَفُّ عَلَيْهِ مِنْ هَلَاكِهَا فَلَا تُمْتَنَعُ (أَمَّا الْجِهَادُ فَمَبْنِيٌّ عَلَى إتْلَافِ نَفْسِهِ فَيَمْتَنِعُ حِذَارُهُ) وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَنَا فِي الْمُضْطَرِّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَكْلُ مَالِ الْغَيْرِ مَعَ الضَّمَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute