قَالَ (وَلَا بَأْسَ بِإِخْرَاجِ النِّسَاءِ وَالْمَصَاحِفِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إذَا كَانُوا عَسْكَرًا عَظِيمًا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْغَالِبَ هُوَ السَّلَامَةُ وَالْغَالِبُ كَالْمُتَحَقِّقِ (وَيُكْرَهُ إخْرَاجُ ذَلِكَ فِي سَرِيَّةً لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا) لِأَنَّ فِيهِ تَعْرِيضَهُنَّ عَلَى الضَّيَاعِ وَالْفَضِيحَةِ وَتَعْرِيضَ الْمَصَاحِفِ عَلَى الِاسْتِخْفَافِ فَإِنَّهُمْ يَسْتَخِفُّونَ بِهَا مُغَايَظَةً لِلْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ التَّأْوِيلُ الصَّحِيحُ لِقَوْلِهِ ﵊ «لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ» وَلَوْ دَخَلَ مُسْلِمٌ إلَيْهِمْ بِأَمَانٍ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَحْمِلَ مَعَهُ الْمُصْحَفَ إذَا كَانُوا قَوْمًا يَفُونَ بِالْعَهْدِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ التَّعَرُّضِ، وَالْعَجَائِزُ يَخْرُجْنَ فِي الْعَسْكَرِ الْعَظِيمِ لِإِقَامَةِ عَمَلٍ يَلِيقُ بِهِنَّ كَالطَّبْخِ وَالسَّقْيِ وَالْمُدَاوَاةِ، فَأَمَّا الشَّوَابُّ فَمَقَامُهُنَّ فِي الْبُيُوتِ أَدْفَعُ لِلْفِتْنَةِ
فَلَمْ يَكُنْ فَرْضًا، فَهُوَ كَالْمُبَاحِ يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَالْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ افْتِرَاضِ الْجِهَادِ فِي نَفْيِ الضَّمَانِ
(قَوْلُهُ: وَلَا بَأْسَ بِإِخْرَاجِ النِّسَاءِ وَالْمَصَاحِفِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إذَا كَانُوا عَسْكَرًا عَظِيمًا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ هُوَ السَّلَامَةُ وَالْغَالِبُ كَالْمُتَحَقِّقِ، وَيُكْرَهُ إخْرَاجُ ذَلِكَ فِي سَرِيَّةٍ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْرِيضَهُنَّ عَلَى الضَّيَاعِ وَالْفَضِيحَةِ، وَتَعْرِيضَ الْمَصَاحِفِ عَلَى الِاسْتِخْفَافِ) مِنْهُمْ لَهَا.
قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهُوَ التَّأْوِيلُ الصَّحِيحُ لِقَوْلِهِ ﵊ «لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ») وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ السِّتَّةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ، مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ.
وَقَوْلُهُ وَهُوَ التَّأْوِيلُ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَمَّا ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْقُمِّيِّ، وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ عَنْ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ عِنْدَ قِلَّةِ الْمَصَاحِفِ كَيْ لَا يَنْقَطِعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ، وَأَمَّا الْيَوْمَ فَلَا يُكْرَهُ. أَمَّا التَّأْوِيلُ الصَّحِيحُ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ مَالِكٍ رَاوِي الْحَدِيثِ، فَإِنَّ أَبَا دَاوُد وَابْنَ مَاجَهْ زَادَا بَعْدَ قَوْلِهِ «إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ»، قَالَ مَالِكٌ: أَرَى ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ. وَالْحَقُّ أَنَّهَا مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ «أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ وَيَخَافُ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ» وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ فَإِنِّي لَا آمَنُ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «فَإِنِّي أَخَافُ» فَلِذَا حَكَمَ الْقُرْطُبِيُّ وَالنَّوَوِيُّ بِأَنَّهَا مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ وَغَلَّطَا مَنْ زَعَمَ أَنَّهَا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ، وَقَدْ يَكُونُ مَالِكٌ لَمْ يَسْمَعْهَا فَوَافَقَ تَأْوِيلُهُ أَوْ شَكَّ فِي سَمَاعِهِ إيَّاهَا. وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَقَلُّ السَّرِيَّةِ أَرْبَعُمِائَةٍ وَأَقَلُّ الْعَسْكَرِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ. وَفِي الْمَبْسُوطِ: السَّرِيَّةُ عَدَدٌ قَلِيلٌ يَسِيرُونَ بِاللَّيْلِ وَيَكْمُنُونَ بِالنَّهَارِ انْتَهَى.
وَكَأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ شَأْنِهِمْ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَقَدْ لَا يَكْمُنُونَ، وَكَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ السُّرَى، وَهُوَ السَّيْرُ لَيْلًا فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ: يُؤْمَنُ عَلَيْهِ، وَيُكْرَهُ إخْرَاجُهُ فِيمَا لَيْسَ كَذَلِكَ. فَإِنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ الْعَسْكَرِ الْعَظِيمِ إلَى السَّرِيَّةِ طَفْرَةٌ كَبِيرَةٌ لَيْسَتْ مُنَاسِبَةً؛ وَاَلَّذِي يُؤْمَنُ عَلَيْهِ فِي تَوَغُّلِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَيْسَ إلَّا الْعَسْكَرُ الْعَظِيمُ. وَيَنْبَغِي كَوْنُهُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ ﵊ قَالَ «لَنْ يُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ» وَهُوَ أَكْثَرُ مَا رَوَى فِيهِ هَذَا بِاعْتِبَارِهِ أَحْوَطُ، وَهَذَا ظَاهِرُ مَذْهَبِنَا، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ إطْلَاقُ الْمَنْعِ أَخْذًا بِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: لَا فَرْقَ بَيْنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute