للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يُبَاشِرْنَ الْقِتَالَ لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى ضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا عِنْدَ ضَرُورَةٍ، وَلَا يُسْتَحَبُّ إخْرَاجُهُنَّ لِلْمُبَاضَعَةِ وَالْخِدْمَةِ، فَإِنْ كَانُوا لَا بُدَّ مُخْرَجِينَ فَبِالْإِمَاءِ دُونَ الْحَرَائِرِ

(وَلَا تُقَاتِلُ الْمَرْأَةُ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا وَلَا الْعَبْدُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) لِمَا بَيَّنَّا (إلَّا أَنْ يَهْجُمَ الْعَدُوُّ عَلَى بَلَدٍ لِلضَّرُورَةِ)

وَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يَغْدِرُوا وَلَا يَغُلُّوا وَلَا يُمَثِّلُوا لِقَوْلِهِ «لَا تَغْلُو وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تُمَثِّلُوا» وَالْغُلُولُ: السَّرِقَةُ مِنْ الْمَغْنَمِ، وَالْغَدْرُ: الْخِيَانَةُ وَنَقْضُ الْعَهْدِ،

الْجَيْشِ وَالسَّرَايَا عَمَلًا بِإِطْلَاقِ النَّصِّ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ نَيْلُ الْعَدُوِّ لَهُ فِي الْجَيْشِ الْعَظِيمِ نَادِرًا فَنِسْيَانُهُ وَسُقُوطُهُ لَيْسَ بِنَادِرٍ، وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّ الْعِلَّةَ الْمَنْصُوصَةَ لَمَّا كَانَتْ مَخَافَةَ نَيْلِهِ فَيُنَاطُ بِمَا هُوَ مَظِنَّتُهُ فَيَخْرُجُ الْجَيْشُ الْعَظِيمُ، وَالنِّسْيَانُ وَالسُّقُوطُ نَادِرٌ مَعَ الِاهْتِمَامِ وَالتَّشَمُّرِ لِلْحِفْظِ الْبَاعِثِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّ حَمَلَهُ لَا يَكُونُ إلَّا مِمَّنْ يَخَافُ نِسْيَانَ الْقُرْآنِ فَيَأْخُذُهُ لِتَعَاهُدِهِ فَيُبْعَدُ ذَلِكَ مِنْهُ وَكُتُبُ الْفِقْهِ أَيْضًا كَذَلِكَ، ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ مَعْزُوًّا إلَى السِّيَرِ الْكَبِيرِ فَكُتُبُ الْحَدِيثِ أَوْلَى، ثُمَّ الْأَوْلَى فِي إخْرَاجِ النِّسَاءِ الْعَجَائِزِ لِلطِّبِّ وَالْمُدَاوَاةِ وَالسَّقْيِ دُونَ الشَّوَابِّ، وَلَوْ اُحْتِيجَ إلَى الْمُبَاضَعَةِ فَالْأَوْلَى إخْرَاجُ الْإِمَاءِ دُونَ الْحَرَائِرِ (وَلَا يُبَاشِرْنَ الْقِتَالَ لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى ضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ) وَقَدْ «قَاتَلَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ يَوْمَ خَيْبَرَ وَأَقَرَّهَا حَيْثُ قَالَ لَمَقَامُهَا خَيْرٌ مِنْ مَقَامِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ» يَعْنِي بَعْضَ الْمُنْهَزِمِينَ

(قَوْلُهُ وَلَا تُقَاتِلُ الْمَرْأَةُ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا وَلَا الْعَبْدُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ لِمَا بَيَّنَّا) مِنْ تَقَدُّمِ حَقِّ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى (إلَّا أَنْ يَهْجُمَ الْعَدُوُّ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ

(قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ) أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَغْدِرُوا أَوْ يَغُلُّوا أَوْ يُمَثِّلُوا، وَالْغُلُولُ السَّرِقَةُ مِنْ الْغَنِيمَةِ، وَالْغَدْرُ الْخِيَانَةُ وَنَقْضُ الْعَهْدِ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ «لَا تَغْلُوا» إلَخْ) تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ، وَقَوْلُهُ «وَلَا تُمَثِّلُوا» أَيْ الْمُثْلَةُ يُقَالُ مَثَلْت بِالرَّجُلِ بِوَزْنِ ضَرَبْت أَمْثُلُ بِهِ بِوَزْنِ أَنْصُرُ مَثْلًا وَمُثْلَةً إذَا سَوَّدْت وَجْهَهُ أَوْ قَطَعْت أَنْفَهُ وَنَحْوَهُ.

ذَكَرَهُ فِي الْفَائِقِ. وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَالْمُثْلَةُ الْمَرْوِيَّةُ فِي قِصَّةِ الْعُرَنِيِّينَ مَنْسُوخَةٌ بِالنَّهْيِ الْمُتَأَخِّرِ هُوَ الْمَنْقُولُ) وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ؛ فَعِنْدَنَا وَالشَّافِعِيُّ مَنْسُوخَةٌ كَمَا ذَكَرَ قَتَادَةُ فِي لَفْظٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ بَعْدَ رِوَايَةِ حَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ قَالَ: فَحَدَّثَنِي ابْنُ سِيرِينَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْحُدُودُ. وَفِي لَفْظٍ لِلْبَيْهَقِيِّ قَالَ أَنَسٌ: «مَا خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ بَعْدَ ذَلِكَ خُطْبَةً إلَّا نَهَى فِيهَا عَنْ الْمُثْلَةِ». وَقَالَ أَبُو الْفَتْحِ الْيَعْمُرِيُّ فِي سِيرَتِهِ: مِنْ النَّاسِ مَنْ أَبَى ذَلِكَ، إلَى أَنْ قَالَ: وَلَيْسَ فِيهَا يَعْنِي آيَةَ الْحِرَابَةِ أَكْثَرُ مِمَّا يَشْعُرُ بِهِ لَفْظَةٌ إنَّمَا مِنْ الِاقْتِصَارِ فِي حَدِّ الْحِرَابَةِ عَلَى مَا فِي الْآيَةِ.

وَأَمَّا مَنْ زَادَ عَلَى الْحِرَابَةِ جِنَايَاتٍ أُخَرَ كَمَا فَعَلَ هَؤُلَاءِ كَمَا رَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي خَبَرِهِمْ " أَنَّهُمْ قَطَعُوا يَدَ الرَّاعِي وَرِجْلَهُ وَغَرَزُوا الشَّوْكَ فِي لِسَانِهِ وَعَيْنَيْهِ حَتَّى مَاتَ " فَلَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يَمْنَعُ مِنْ التَّغْلِيظِ عَلَيْهِمْ وَالزِّيَادَةِ فِي عُقُوبَتِهِمْ فَهَذَا لَيْسَ بِمُثْلَةٍ، وَالْمُثْلَةُ مَا كَانَ ابْتِدَاءً عَلَى غَيْرِ جَزَاءٍ، وَقَدْ جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «إنَّمَا سَمَلَ النَّبِيُّ أَعْيُنَهُمْ لِأَنَّهُمْ سَمَلُوا أَعْيُنَ الرِّعَاءِ» وَلَوْ أَنَّ شَخْصًا جَنَى عَلَى قَوْمٍ جِنَايَاتٍ فِي أَعْضَاءٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَاقْتُصَّ مِنْهُ لَمَّا كَانَ التَّشْوِيهُ الَّذِي حَصَلَ لَهُ مِنْ الْمُثْلَةِ.

وَقَالَ: ذَكَرَ الْبَغَوِيّ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا: يَعْنِي آيَةَ الْجَزَاءِ سَبَبًا آخَرَ، وَإِذَا اخْتَلَفَتْ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ الْأَقْوَالُ وَتَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ فَلَا نَسْخَ.

وَحَاصِلُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الْمُثْلَةَ بِمَنْ مَثَّلَ جَزَاءٌ ثَابِتٌ لَمْ يُنْسَخْ، وَالْمُثْلَةُ بِمَنْ اسْتَحَقَّ الْقَتْلَ لَا عَنْ مُثْلَةٍ لَا تَحِلُّ لَا أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>