للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دَفْعُ الشَّرِّ حَاصِلٌ بِهِ، وَلَا يُقْتَصَرُ الْحُكْمُ عَلَى الْمُدَّةِ الْمَرْوِيَّةِ لِتَعَدِّي الْمَعْنَى إلَى مَا زَادَ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ خَيْرًا؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْجِهَادَ صُورَةً وَمَعْنًى

وَأَمَّا حَدِيثُ مُوَادَعَتِهِ «أَهْلَ مَكَّةَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ عَشْرَ سِنِينَ» فَنَظَرَ فِيهِ بَعْضُ الشَّارِحِينَ بِأَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَ أَصْحَابِ الْمَغَازِي أَنَّهَا سَنَتَانِ، كَذَا ذَكَرَهُ مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ، وَلَيْسَ بِلَازِمٍ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ أَنَّ أَهْلَ النَّقْلِ مُخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ، فَوَقَعَ فِي سِيرَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ أَنَّهَا كَانَتْ سَنَتَيْنِ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ مُرْسَلًا، ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَوْلُهُمَا سَنَتَيْنِ يُرِيدَانِ بَقَاءَهُ سَنَتَيْنِ إلَى أَنْ نَقَضَ الْمُشْرِكُونَ عَهْدَهُمْ وَخَرَجَ النَّبِيُّ إلَيْهِمْ لِفَتْحِ مَكَّةَ، وَأَمَّا الْمُدَّةُ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا عَقْدُ الصُّلْحِ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمَحْفُوظُ مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَهِيَ عَشْرُ سِنِينَ اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي سِيرَتِهِ وَسِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَقَّبَهُ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّهُمْ اصْطَلَحُوا عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ يَأْمَنُ فِيهَا النَّاسُ، وَعَلَى أَنَّ بَيْنَنَا عَيْبَةً مَكْفُوفَةً وَأَنَّهُ لَا إسْلَالَ وَلَا إغْلَالَ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مُطَوَّلًا بِقِصَّةِ الْفَتْحِ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَنْبَأَنَا ابْنُ إِسْحَاقَ فَسَاقَهُ إلَى أَنْ قَالَ: عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ، يَأْمَنُ فِيهَا النَّاسُ وَيَكُفُّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ.

وَكَذَا رَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ فِي الْمَغَازِي: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ وَاقِدِ بْنِ عَمْرٍو، فَذَكَرَ قِصَّةَ الْحُدَيْبِيَةِ إلَى أَنْ قَالَ: عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ إلَخْ. وَالْوَجْهُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَجْهٌ حَسَنٌ بِهِ تَنْتَفِي الْمُعَارَضَةُ فَيَجِبُ اعْتِبَارُهُ فَإِنَّ الْكُلَّ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ سَبَبَ الْفَتْحِ كَانَ نَقْضَ قُرَيْشٍ الْعَهْدَ حَيْثُ أَعَانُوا عَلَى خُزَاعَةَ وَكَانُوا دَخَلُوا فِي حِلْفِ رَسُولِ اللَّهِ . وَاخْتَلَفُوا فِي مُدَّةِ الصُّلْحِ فَوَقَعَ الْخِلَافُ ظَاهِرًا بِأَنَّ مُرَادَ مَنْ قَالَ سَنَتَيْنِ أَنَّ بَقَاءَهُ سَنَتَانِ، وَمَنْ قَالَ عَشْرًا قَالَ إنَّهُ عَقَدَهُ عَشَرًا كَمَا رَوَاهُ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَلَا يَقْتَصِرُ الْحُكْمُ) وَهُوَ جَوَازُ الْمُوَادَعَةِ (عَلَى الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ) وَهِيَ عَشْرُ سِنِينَ (لِتَعَدِّي الْمَعْنَى) الَّذِي بِهِ عَلَّلَ جَوَازَهَا، وَهُوَ حَاجَةُ الْمُسْلِمِينَ أَوْ ثُبُوتُ مَصْلَحَتِهِمْ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِأَكْثَرَ (بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ) الْمُوَادَعَةُ أَوْ الْمُدَّةُ الْمُسَمَّاةُ (خَيْرًا) لِلْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ (لِأَنَّهُ تَرْكٌ لِلْجِهَادِ صُورَةً وَمَعْنًى) وَمَا أُبِيحَ إلَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ جِهَادٌ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ إذَا كَانَ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَإِلَّا فَهُوَ تَرْكٌ لِلْمَأْمُورِ بِهِ، وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ مِنْ مَنْعِهِ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ.

وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ غَيْرَ مُسْتَظْهَرٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَلَقَدْ كَانَ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ مَصَالِحَ عَظِيمَةً، فَإِنَّ النَّاسَ لَمَّا تَقَارَبُوا انْكَشَفَ مَحَاسِنُ الْإِسْلَامِ لِلَّذِينَ كَانُوا مُتَبَاعِدِينَ لَا يَعْقِلُونَهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَمَّا قَارَبُوهُمْ وَتَخَالَطُوا بِهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>