للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَلَا يَأْخُذُ عَلَيْهِ مَالًا) لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ لِمَا نُبَيِّنُ (وَلَوْ أَخَذَهُ لَمْ يَرُدَّهُ) لِأَنَّهُ مَالٌ غَيْرُ مَعْصُومٍ.

وَلَوْ حَاصَرَ الْعَدُوُّ الْمُسْلِمِينَ وَطَلَبُوا الْمُوَادَعَةَ عَلَى مَالٍ يَدْفَعُهُ الْمُسْلِمُونَ إلَيْهِمْ لَا يَفْعَلُهُ الْإِمَامُ لِمَا فِيهِ مِنْ إعْطَاءِ الدَّنِيَّةِ وَإِلْحَاقِ الْمَذَلَّةِ بِأَهْلِ الْإِسْلَامِ إلَّا إذَا خَافَ الْهَلَاكَ،

لَا الْأُجْرَةِ عَلَى التَّرْكِ وَبِاعْتِبَارِهِ، ثُمَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْمَالِ يُصْرَفُ مَصَارِفَ الْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ إنْ كَانَ قَبْلَ النُّزُولِ بِسَاحَتِهِمْ بَلْ بِرَسُولٍ، أَمَّا إذَا نَزَلْنَا بِهِمْ فَهُوَ غَنِيمَةٌ يُخَمِّسُهَا وَيُقَسِّمُ الْبَاقِيَ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْهُمْ قَهْرًا مَعْنًى. وَأَمَّا الْمُرْتَدُّونَ فَلَا بَأْسَ بِمُوَادَعَتِهِمْ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ إذَا غَلَبُوا عَلَى بَلْدَةٍ وَصَارَتْ دَارُهُمْ دَارَ الْحَرْبِ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ فِيهِ تَقْرِيرَ الْمُرْتَدِّ عَلَى الرِّدَّةِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَلِهَذَا قَيَّدَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِمَا ذَكَرْنَا، قَالَ: يَدُلُّ عَلَيْهِ وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيُّ بِقَوْلِهِ غَلَبَ الْمُرْتَدُّونَ عَلَى دَارٍ مِنْ دُورِ الْإِسْلَامِ فَلَا بَأْسَ بِمُوَادَعَتِهِمْ عِنْدَ الْخَوْفِ، فَلَوْ وَادَعَهُمْ عَلَى الْمَالِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْجِزْيَةِ وَلَا تُقْبَلُ مِنْ الْمُرْتَدِّ جِزْيَةٌ.

وَقَوْلُهُ (لِمَا نُبَيِّنُ) يَعْنِي فِي بَابِ الْجِزْيَةِ (وَ) مَعَ هَذَا (لَوْ أَخَذَهُ لَا يَرُدَّهُ) عَلَيْهِمْ لِأَنَّ مَالَهُمْ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ إذَا ظَهَرُوا، بِخِلَافِ مَا إذَا أُخِذَ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ حَيْثُ يُرَدُّ عَلَيْهِمْ بَعْدَمَا وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فَيْئًا إلَّا أَنَّهُ لَا يَرُدُّهُ حَالَ الْحَرْبِ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ لَهُمْ

(قَوْلُهُ وَلَوْ حَاصَرَ الْعَدُوُّ الْمُسْلِمِينَ وَطَلَبُوا الْمُوَادَعَةَ عَلَى مَالٍ يَدْفَعُهُ الْمُسْلِمُونَ إلَيْهِمْ لَا يَفْعَلُهُ الْإِمَامُ لِمَا فِيهِ مِنْ إعْطَاءِ الدَّنِيَّةِ) أَيْ النَّقِيصَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ عُمَرَ لِأَبِي بَكْرٍ فِي الْحُدَيْبِيَةِ وَكَانَ مُتَجَانِفًا عَنْ الصُّلْحِ: أَلَيْسَ بِرَسُولِ اللَّهِ ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى، قَالَ: أَوْ لَسْنَا بِالْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: أَوْ لَيْسُوا بِالْمُشْرِكِينَ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَعَلَامَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا؟ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: الْزَمْ غَرْزَهُ، فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ عُمَرُ: وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ . ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيَرِ.

وَفِي الْحَدِيثِ «لَيْسَ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ فَالْعِزَّةُ خَاصِّيَّةُ الْإِيمَانِ» قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (إلَّا إذَا خَافَ) الْإِمَامُ (الْهَلَاكَ) عَلَى نَفْسِهِ وَالْمُسْلِمِينَ فَلَا بَأْسَ «لِأَنَّ النَّبِيَّ لَمَّا اشْتَدَّ عَلَى النَّاسِ الْبَلَاءُ فِي وَقْعَةِ الْخَنْدَقِ أَرْسَلَ إلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِيِّ وَالْحَرْثِ بْنِ عَوْفِ بْنِ أَبِي حَارِثَةَ الْمُرِّيِّ وَهُمَا قَائِدَا غَطَفَانَ وَأَعْطَاهُمَا ثُلُثَ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>