وَهُوَ الْوَاحِدُ
أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيُرَدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ» وَمَعْنَى يُرَدُّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ: أَيْ يُرَدُّ الْأَبْعَدُ مِنْهُمْ التَّبَعَةَ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَسْكَرَ إذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَاقْتَطَعَ الْإِمَامُ مِنْهُمْ سَرَايَا وَوَجَّهَهَا لِلْإِغَارَةِ فَمَا غَنِمَتْهُ جُعِلَ لَهَا مَا سَمَّى وَيَرُدُّ مَا بَقِيَ لِأَهْلِ الْعَسْكَرِ؛ لِأَنَّ بِهِمْ قَدَرَتْ السَّرَايَا عَلَى التَّوَغُّلِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَأَخْذِ الْمَالِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ وَهُمْ يَدٌ إلَخْ: أَيْ كَأَنَّهُمْ آلَةٌ وَاحِدَةٌ مَعَ مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ الْمِلَلِ كَالْعُضْوِ الْوَاحِدِ بِاعْتِبَارِ تَعَاوُنِهِمْ عَلَيْهِمْ، لَكِنْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ» الْحَدِيثَ. فَفَسَّرَ الرَّدَّ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ بِالْإِجَارَةِ، فَالْمَعْنَى يُرَدُّ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَكُونَ كُلُّهُمْ مُجِيرًا. وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ مَحَلُّ الدِّيَةِ، وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَلِيٍّ ﵁ قَالَ: مَا كَتَبْنَا عَنْ النَّبِيِّ ﷺ إلَّا الْقُرْآنَ وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، قَالَ ﵊ «الْمَدِينَةُ حَرَمٌ، فَمَنْ أَحَدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا، وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا» وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ نَحْوَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمَنْ قَالَ إنَّ الشَّيْخَ عَلَاءَ الدِّينِ وَهَمَ إذْ أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ مِنْ جِهَةِ أَبِي دَاوُد. وَالْوَاقِعُ أَنَّ الشَّيْخَيْنِ أَخْرَجَاهُ غَلَطٌ، فَإِنَّ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ لَيْسَ فِيهِ «تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ» وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُخَرِّجَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ لَا مَا هُوَ مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْ الْحَدِيثِ فَقَطْ، وَفَسَّرَ الْمُصَنِّفُ أَدْنَاهُمْ بِأَقَلِّهِمْ فِي الْعَدَدِ (وَهُوَ الْوَاحِدُ) احْتِرَازًا عَنْ تَفْسِيرِ مُحَمَّدٍ مِنْ الدَّنَاءَةِ لِيَدْخُلَ الْعَبْدُ كَمَا سَيَأْتِي وَلَيْسَ بِلَازِمٍ، إذْ هُوَ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ أَيْضًا فِيهِ دَلِيلٌ لِمُحَمَّدٍ وَهُوَ إطْلَاقُ الْأَدْنَى بِمَعْنَى الْوَاحِدِ فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَ حُرًّا أَوْ عَبْدًا.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي أَمَانِ الْمَرْأَةِ أَحَادِيثُ: مِنْهَا حَدِيثُ أُمِّ هَانِئٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ ﵂ «قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ ابْنُ أُمِّي عَلِيٌّ أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا قَدْ أَجَرْتُهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانُ، قَالَ ﵊: قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْت وَأَمِنَّا مَنْ أَمِنْت» وَرَوَاهُ الْأَزْرَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلٍ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ ﵂ قَالَتْ «ذَهَبْت إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقُلْت لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَجَرْت حَمَوَيْنِ لِي مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَأَرَادَ هَذَا أَنْ يَقْتُلَهُمَا، فَقَالَ ﵊: مَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ» الْحَدِيثَ.
وَكَانَ الَّذِي أَجَارَتْهُ أُمُّ هَانِئٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَالْحَارِثَ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ كِلَاهُمَا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ. وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ لَتُجِيرُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَيَجُوزُ. وَتَرْجَمَ التِّرْمِذِيُّ بَابَ أَمَانِ الْمَرْأَةِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ «إنَّ الْمَرْأَةَ لَتَأْخُذُ لِلْقَوْمِ» يَعْنِي تُجِيرُ الْقَوْمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.
وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَقَالَ فِي عِلَلِهِ الْكُبْرَى: سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَكَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ وَهُوَ فِي السَّنَدِ سَمِعَ مِنْ الْوَلِيدِ بْنِ رَبَاحٍ، وَالْوَلِيدُ بْنُ رَبَاحٍ سَمِعَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَمِنْهَا حَدِيثُ إجَارَةِ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَبَا الْعَاصِ، فَقَالَ ﵊:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute