للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ فَيَخَافُونَهُ إذْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْمَنَعَةِ فَيَتَحَقَّقُ الْأَمَانُ مِنْهُ لِمُلَاقَاتِهِ مَحَلَّهُ ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ سَبَبَهُ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ الْإِيمَانُ، وَكَذَا الْأَمَانُ لَا يَتَجَزَّأُ فَيَتَكَامَلُ كَوِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ.

قَالَ (إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ. فَيَنْبِذُ إلَيْهِمْ) كَمَا إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي النَّبْذِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ

«أَلَا وَإِنَّهُ يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِطُولِهِ.

قَالَ الْمُصَنَّفُ (وَلِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ) أَيْ الْوَاحِدِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى فَإِنَّهَا مِنْ أَهْلِهِ بِالتَّسَبُّبِ بِمَالِهَا وَعَبِيدِهَا فَيَخَافُ مِنْهُ (فَيَتَحَقَّقُ الْأَمَانُ مِنْهُ لِمُلَاقَاتِهِ مَحَلَّهُ) أَيْ مَحَلَّ الْأَمَانِ وَهُوَ الْكَافِرُ الْخَائِفُ، وَإِذَا صَدَرَ التَّصَرُّفُ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ نَفَذَ (ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمُجِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلِأَنَّ سَبَبَهُ لَا يَتَجَزَّأُ إلَخْ فَيَصْلُحُ تَعْلِيلًا بِلَا وَاوٍ لِلتَّعَدِّي، فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَعْنَى لَا يَزِيدُ عَلَى اعْتِبَارِ الْأَمَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُؤْمِنِ، فَأَمَّا تَعَدِّيهِ إلَى غَيْرِهِ فَلَيْسَ ضَرُورِيًّا فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ.

وَمَا ذَكَرَ مِنْ عَدَمِ التَّجَزِّي يَصْلُحُ دَلِيلًا لَهُ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَتَجَزَّأْ كَانَ أَمَانُ الْوَاحِدِ أَمَانَ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ بَعْضُ أَمَانِ الْكُلِّ. وَاسْتَدَلَّ عَلَى عَدَمِ تَجَزِّيهِ بِأَنَّ سَبَبَهُ، وَهُوَ الْإِيمَانُ لَا يَتَجَزَّأُ فَكَذَا الْأَمَانُ، وَفَسَّرَ بِالتَّصْدِيقِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْكُفْرِ، وَبَعْضُهُمْ بِإِعْطَاءِ الْأَمَانِ لِأَنَّهُ يُقَالُ آمَنْته فَأَمِنَ: أَيْ أَعْطَيْته الْأَمَانَ فَأَمِنَ. وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ آمَنْت بِمَعْنَى صَدَقْت بِالدِّينِ فَأَمِنَ الْكَافِرُ: أَيْ حَصَلَ لَهُ الْأَمَانُ، وَهَذَا إنَّمَا يَتِمُّ إذَا كَانَ السَّبَبُ عِلَّةً وَهُوَ مَجَازٌ، فَإِنَّ حَقِيقَةَ السَّبَبِ الْمُفْضِي فَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِيمَانَ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ سَبَبٌ مُفْضٍ إلَى أَمَانِ الْحَرْبِيِّ بِإِعْطَاءِ الْمُسْلِمِ إيَّاهُ لَهُ، فَالْحَقُّ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَصِحُّ الْإِيمَانُ: أَيْ إعْطَاءُ الْأَمَانِ سَبَبُ الْأَمَانِ بِمَعْنَى عِلَّتِهِ لَا يَتَجَزَّأُ فَلَا يَتَجَزَّأُ الْأَمَانُ، أَوْ الْإِيمَانُ بِمَعْنَى التَّصْدِيقِ سَبَبٌ حَقِيقِيٌّ لِلْأَمَانِ لَا يَتَجَزَّأُ فَلَا يَتَجَزَّأُ الْأَمَانُ وَصَارَ (كَوِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ) إذَا زَوَّجَ أَحَدُ الْأَوْلِيَاءِ الْمُسْتَوِينَ نَفَذَ عَلَى الْكُلِّ.

وَاعْلَمْ أَنَّ كَوْنَهَا لَا تَتَجَزَّأُ إنَّمَا عَلِمْنَاهُ مِنْ النَّصِّ الْمُوجِبِ لِلنَّفَاذِ عَلَى الْكُلِّ إذَا صَدَرَ مِنْ وَاحِدٍ فَهُوَ الْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ (وَقَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ فِي ذَلِكَ) أَيْ أَمَانِ الْوَاحِدِ (مَفْسَدَةٌ فَيُنْبَذُ إلَيْهِمْ كَمَا إذَا أَمِنَ الْإِمَامُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي النَّبْذِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ) فِي الْبَابِ السَّابِقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>