للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَوْ حَاصَرَ الْإِمَامُ حِصْنًا وَأَمِنَ وَاحِدٌ مِنْ الْجَيْشِ وَفِيهِ مَفْسَدَةٌ يَنْبِذُ الْإِمَامُ لِمَا بَيَّنَّا، وَيُؤَدِّبُهُ الْإِمَامُ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى رَأْيِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ رُبَّمَا تَفُوتُ الْمَصْلَحَةُ بِالتَّأْخِيرِ فَكَانَ مَعْذُورًا (وَلَا يَجُوزُ أَمَانُ ذِمِّيٍّ) لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِهِمْ، وَكَذَا لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.

قَالَ (وَلَا أَسِيرٍ وَلَا تَاجِرٍ يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ) لِأَنَّهُمَا مَقْهُورَانِ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ فَلَا يَخَافُونَهُمَا وَالْأَمَانُ يَخْتَصُّ بِمَحَلِّ الْخَوْفِ وَلِأَنَّهُمَا يُجْبَرَانِ عَلَيْهِ فِيهِ فَيَعْرَى الْأَمَانُ عَنْ الْمَصْلَحَةِ، وَلِأَنَّهُمْ كُلَّمَا اشْتَدَّ الْأَمْرُ عَلَيْهِمْ يَجِدُونَ أَسِيرًا أَوْ تَاجِرًا فَيَتَخَلَّصُونَ بِأَمَانِهِ فَلَا يَنْفَتِحُ لَنَا بَابُ الْفَتْحِ.

وَمَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا لَا يَصِحُّ أَمَانُهُ لِمَا بَيَّنَّا (وَلَا يَجُوزُ أَمَانُ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ مَوْلَاهُ فِي الْقِتَالِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَصِحُّ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبُو يُوسُفَ مَعَهُ فِي رِوَايَةٍ، وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ

وَهُوَ قَوْلُنَا يَفْعَلُ تَحَرُّزًا عَنْ الْغَدْرِ وَعَنْ تَرْكِ الْجِهَادِ صُورَةً وَمَعْنًى.

وَأَمَّا قَوْلُهُ (وَلَوْ حَاصَرَ الْإِمَامُ حِصْنًا وَأَمِنَ وَأَمِنَ وَاحِدٌ مِنْ النَّاسِ إلَخْ) فَلَيْسَ تَكْرَارًا مَحْضًا بَلْ ذَكَرَهُ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ (وَيُؤَدِّبُهُ الْإِمَامُ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى رَأْيِهِ بِخِلَافِ، مَا إذَا كَانَ فِيهِ نَظَرٌ) لَا يُؤَدِّبُهُ (لِأَنَّهُ رُبَّمَا) فَعَلَ ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ (تَفُوتَ الْمَصْلَحَةُ بِالتَّأْخِيرِ) إلَى أَنْ يَعْلَمَ الْإِمَامُ بِهَا وَيُؤَمِّنُ هُوَ بِنَفْسِهِ.

وَالِافْتِيَاتُ افْتِعَالٌ مِنْ الْفَوْتِ وَهُوَ السَّبْقُ، وَإِنَّمَا يُقَالُ الِافْتِعَالُ لِلسَّبْقِ إلَى الشَّيْءِ دُونَ ائْتِمَارِ مَنْ يَنْبَغِي أَنْ يُؤَامِرَ فِيهِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ قَالَ فَاتَنِي ذَلِكَ الْفَارِسُ: أَيْ سَبَقَنِي فَأَصْلُهُ افْتِوَاتٌ قُلِبَتْ وَاوُهُ يَاءً لِكَسْرِ مَا قَبْلَهَا، وَالتَّعْلِيلُ بِهِ مُطْلَقًا يَقْتَضِي أَنْ يُؤَدِّبَهُ مُطْلَقًا لِتَحَقُّقِ الِافْتِيَاتِ فِيمَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ، فَالْوَجْهُ تَقْيِيدُهُ بِقَوْلِنَا افْتِيَاتٌ فِيمَا لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ أَمَانُ ذِمِّيٍّ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِهِمْ) عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِمُوَافَقَتِهِ لَهُمْ اعْتِقَادًا، وَأَيْضًا لَا وِلَايَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا﴾ وَالْأَمَانُ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ؛ لِأَنَّهُ نَفَاذُ كَلَامِهِ عَلَى غَيْرِهِ شَاءَ أَوْ أَبَى (وَلَا أَسِيرٍ وَلَا تَاجِرٍ يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ) فِي دَارِ الْحَرْبِ (لِأَنَّهُمَا مَقْهُورَانِ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ وَالْأَمَانُ يَخْتَصُّ بِمَحَلِّ الْخَوْفِ، وَلِأَنَّهُمَا يُجْبَرَانِ عَلَيْهِ فَيَعْرَى الْأَمَانُ عَنْ الْمَصْلَحَةِ، وَلِأَنَّهُ كُلَّمَا اشْتَدَّ الْأَمْرُ عَلَيْهِمْ يَجِدُونَ أَسِيرًا أَوْ تَاجِرًا فَيَتَخَلَّصُونَ بِأَمَانِهِ فَلَا يَنْفَتِحُ بَابُ الْفَتْحِ).

(قَوْلُهُ وَمَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا لَمْ يَصِحَّ أَمَانُهُ لِمَا بَيَّنَّا) مِنْ أَنَّ الْأَمَانَ يَخْتَصُّ بِمَحَلِّ الْخَوْفِ وَلَا خَوْفَ مِنْهُ حَالَ كَوْنِهِ مُقِيمًا فِي دَارِهِمْ لَا مَنَعَةَ لَهُ وَلَا قُوَّةَ دِفَاعٍ (قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ أَمَانُ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ مَوْلَاهُ فِي الْقِتَالِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَصِحُّ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ (وَأَبُو يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ) لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ قَوْلُهُ «وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>