. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الْجَارِيَةِ بِدُونِ رَأْيِ الْإِمَامِ. نَعَمْ لَوْ قُسِمَتْ الْغَنِيمَةُ عَلَى الرَّايَاتِ أَوْ الْعَرَّافَةِ فَوَقَعَتْ جَارِيَةٌ بَيْنَ أَهْلِ رَايَةٍ صَحَّ اسْتِيلَادُ أَحَدِهِمْ لَهَا لِأَنَّهُ يَصِحُّ عِتْقُهُ لَهَا لِأَنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ تِلْكَ الرَّايَةِ، وَالْعَرَّافَةُ شَرِكَةُ مِلْكٍ، وَعِتْقُ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ نَافِذٌ، لَكِنَّ هَذَا إذَا قَلُّوا حَتَّى تَكُونَ الشَّرِكَةُ خَاصَّةً، أَمَّا إذَا كَثُرُوا فَلَا؛ لِأَنَّ بِالشَّرِكَةِ الْعَامَّةِ لَا تَثْبُتُ وِلَايَةُ الْإِعْتَاقِ.
قَالَ: وَالْقَلِيلُ إذَا كَانُوا مِائَةً أَوْ أَقَلَّ، وَقِيلَ أَرْبَعُونَ، وَفِيهِ أَقْوَالٌ أُخْرَى، قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُوَقِّت وَيُجْعَلَ مَوْكُولًا إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ.
وَمِنْهَا جَوَازُ الْبَيْعِ مِنْ الْإِمَامِ لِبَعْضِ الْغَنِيمَةِ يَجُوزُ عِنْدَهُمْ لَا عِنْدَنَا مَبْنِيٌّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا. وَمِنْهَا لَوْ مَاتَ بَعْضُ الْغُزَاةِ أَوْ قُتِلَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يُوَرَّثُ سَهْمُهُ عِنْدَنَا وَيُوَرَّثُ عِنْدَهُ بِنَاءً عَلَى التَّأَكُّدِ بِالْهَزِيمَةِ حَتَّى صَحَّ مِنْهُ التَّمَلُّكُ وَالتَّأَكُّدُ يَكْفِي لِلْإِرْثِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّا نَقُولُ إنَّهُ يُوَرَّثُ إذَا مَاتَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الْقِسْمِ لِلتَّأَكُّدِ لَا لِلْمِلْكِ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحَقَّ الْمُؤَكَّدَ يُوَرَّثُ كَحَقِّ الرَّهْنِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، بِخِلَافِ الضَّعِيفِ كَالشُّفْعَةِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ضَعْفِ الْحَقِّ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِإِبَاحَةِ تَنَاوُلِ الطَّعَامِ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِلَا ضَرُورَةٍ وَبِعَدَمِ ضَمَانِ مَا أُتْلِفَ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَهُ فَكَانَ حَقًّا ضَعِيفًا كَحَقِّ كُلِّ مُسْلِمٍ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَالشَّافِعِيَّةُ إنْ مَنَعُوا الثَّانِيَ لَمْ يَمْنَعُوا الْأَوَّلَ.
وَمِنْهَا لَوْ لَحِقَ الْمَدَدُ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ الْقَسْمِ شَارَكَ عِنْدَنَا لَا عِنْدَهُ لِلتَّأَكُّدِ وَعَدَمِهِ فَإِنَّمَا الثَّابِتُ لِلْغُزَاةِ بَعْدَ الْهَزِيمَةِ حَقُّ الْمِلْكِ لَا حَقُّ التَّمَلُّكِ، وَلِهَذَا لَوْ أَسْلَمَ الْأَسِيرُ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَعْتِقُ، وَكَذَا أَرْبَابُ الْأَمْوَالِ إذَا أَسْلَمُوا بَعْدَ أَخْذِهَا قَبْلَ الْإِحْرَازِ لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْ جُمْلَةِ الْغُزَاةِ فِي الْقِسْمَةِ وَالِاسْتِحْقَاقِ بِسَبَبِ الشَّرِكَةِ فِي الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ بِمَنْزِلَةِ الْمَدَدِ. ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ، وَمَعْنَاهُ: إذَا لَمْ يُؤْخَذُوا فَإِنَّ إسْلَامَهُمْ بَعْدَ الْأَخْذِ لَا يُزِيلُ عَنْهُمْ الرِّقَّ فَلَا يَسْتَحِقُّونَ فِي الْغَنِيمَةِ كَالْمَدَدِ. وَفِي التُّحْفَةِ: لَوْ أَتْلَفَ وَاحِدٌ مِنْ الْغُزَاةِ شَيْئًا مِنْ الْغَنِيمَةِ لَا يَضْمَنُ عِنْدَنَا، قَالَ: وَبَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ يَتَأَكَّدُ حَقُّ الْمِلْكِ وَيَسْتَقِرُّ، وَلِهَذَا قَالُوا لَوْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ الْغُزَاةِ يُورَثُ نَصِيبُهُ، وَلَوْ بَاعَ الْإِمَامُ جَازَ، وَلَوْ لَحِقَهُمْ الْمَدَدُ لَا يُشَارِكُونَ وَيَضْمَنُ الْمُتْلَفَ، وَهَذَا الْمَذْكُورُ فِي التُّحْفَةِ مَاشٍ مَعَ مَا فِي الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ: فَأَمَّا عِنْدَنَا فَالْحَقُّ يَثْبُتُ بِنَفْسِ الْأَخْذِ وَيَتَأَكَّدُ بِالْإِحْرَازِ وَيَمْلِكُ بِالْقِسْمَةِ كَحَقِّ الشُّفْعَةِ يَثْبُتُ بِالْبَيْعِ وَيَتَأَكَّدُ بِالطَّلَبِ وَيَتِمُّ الْمِلْكُ بِالْأَخْذِ، وَمَا دَامَ الْحَقُّ ضَعِيفًا لَا تَجُوزُ الْقِسْمَةُ لِأَنَّهُ دُونَ الْمِلْكِ الضَّعِيفِ فِي الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ.
وَوَجَّهَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ بِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ يَتِمُّ بِالْهَزِيمَةِ؛ لِأَنَّ بِهَا يَتَحَقَّقُ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ فَيَمْلِكُهُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعْنَى الِاسْتِيلَاءِ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ إلَّا سَبْقَ الْيَدِ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْقَهْرِ وَالِاسْتِيلَاءِ كَمَا فِي الصَّيْدِ وَالْحَطَبِ، وَلِأَنَّهُ ﷺ «قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ وَبَنِي الْمُصْطَلِقِ وَأَوْطَاسَ فِي دِيَارِهِمْ».
وَلَنَا مَنْعُ أَنَّ السَّبَبَ تَمَّ فَإِنَّ تَمَامَهُ بِثُبُوتِ الْيَدِ النَّاقِلَةِ، أَيْ قُدْرَةِ النَّقْلِ وَالتَّصَرُّفِ كَيْفَ شَاءَ نَقْلًا وَادِّخَارًا وَهَذَا مُنْتَفٍ عَنْهُ مَا دَامَ فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ الظُّهُورَ عَلَيْهِمْ وَالِاسْتِنْقَاذَ مِنْهُمْ لَيْسَ بِبَعِيدٍ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الدَّارَ مُضَافَةٌ إلَيْهِمْ فَدَلَّ أَنَّهُ مَقْهُورٌ مَا دَامَ فِيهَا نَوْعًا مِنْ الْقَهْرِ بِدَلِيلِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَتْرُكَهَا دَارَ حَرْبٍ وَيَنْصَرِفَ عَنْهَا فَكَانَ قَاهِرًا مِنْ وَجْهٍ مَقْهُورًا مِنْ وَجْهٍ، فَكَانَ اسْتِيلَاءً مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَلَمْ يَتِمَّ سَبَبُ مِلْكِ الْمُبَاحِ فَلَمْ يَمْلِكْ فَلَمْ تَصِحَّ الْقِسْمَةُ؛ لِأَنَّهَا بَيْعُ مَعْنًى، فَإِنَّ الْبَيْعَ مُبَادَلَةٌ وَفِي الْقِسْمَةِ ذَلِكَ، فَإِنَّ كُلَّ شَرِيكٍ لَمَّا اجْتَمَعَ نَصِيبُهُ فِي الْعَيْنِ كَانَ ذَلِكَ عِوَضًا عَنْ نَصِيبِهِ فِي الْبَاقِي، بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ الْعَبْدُ مُرَاغَمًا حَيْثُ يَعْتِقُ بِوُصُولِهِ إلَى عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ.
وَكَذَا الْمَرْأَةُ الْمُرَاغَمَةُ تَبِينُ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ بِالنَّصِّ لِقَوْلِهِ ﵊ «فِي عَبِيدِ الطَّائِفِ هُمْ عُتَقَاءُ اللَّهِ» وَلِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ وَيَكْفِي فِيهِ امْتِنَاعُهُ ظَاهِرًا فِي الْحَالِ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute