(وَلَا يُقَسِّمُ غَنِيمَةً فِي دَارِ الْحَرْبِ حَتَّى يُخْرِجَهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ. وَأَصْلُهُ أَنَّ الْمِلْكَ لِلْغَانِمِينَ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ يَثْبُتُ وَيَبْتَنِي عَلَى هَذَا الْأَصْلِ عِدَّةٌ مِنْ الْمَسَائِلِ ذَكَرْنَاهَا فِي الْكِفَايَةِ. لَهُ أَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ الِاسْتِيلَاءُ إذَا وَرَدَ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ فِي الصَّيُودِ، وَلَا مَعْنَى لِلِاسْتِيلَاءِ سِوَى إثْبَاتِ الْيَدِ وَقَدْ تَحَقَّقَ. وَلَنَا أَنَّهُ ﵊ «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ»، وَالْخِلَافُ ثَابِتٌ فِيهِ، وَالْقِسْمَةُ بَيْعٌ مَعْنًى فَتَدْخُلُ تَحْتَهُ، وَلِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ إثْبَاتُ الْيَدِ الْحَافِظَةِ وَالنَّاقِلَةِ وَالثَّانِي مُنْعَدِمٌ لِقُدْرَتِهِمْ عَلَى الِاسْتِنْقَاذِ وَوُجُودِهِ ظَاهِرًا.
ذَاتُ مَتَاعٍ، قَالَ: وَكُنْت فِي رَهْطٍ مِنْ الْأَنْصَارِ حِينَ أَقْبَلُوا بِي مِنْ بَدْرٍ فَكَانُوا إذَا قَدَّمُوا غَدَاءَهُمْ وَعِشَاءَهُمْ خَصُّونِي بِالْخُبْزِ وَأَكَلُوا التَّمْرَ لِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إيَّاهُمْ بِنَا، مَا يَقَعُ فِي يَدِ رَجُلٍ مِنْهُمْ كِسْرَةٌ مِنْ الْخُبْزِ إلَّا نَفَحَنِي بِهَا، قَالَ: فَأَسْتَحْيِي فَأَرُدُّهَا عَلَى أَحَدِهِمْ فَيَرُدُّهَا عَلَيَّ مَا يَمَسُّهَا» فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَقْتُلُوا جُوعًا، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَضْطَرُّوا إلَى ذَلِكَ بِسَبَبِ عَدَمِ الْحَمْلِ وَالْمِيرَةِ فَيَتْرُكُوا ضَرُورَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(قَوْلُهُ وَلَا تُقَسَّمُ غَنِيمَةٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ حَتَّى تَخْرُجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ) إذَا انْهَزَمَ الْكُفَّارُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ ﵀: الْأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يُقَسِّمَهَا حَتَّى يُحْرِزَهَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ. وَعَنْهُ إنْ لَمْ تَكُنْ مَعَ الْإِمَامِ حَمُولَةٌ يَحْمِلُهَا عَلَيْهَا يُقَسِّمُهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ. (وَأَصْلُهُ أَنَّ الْمِلْكَ لِلْغَانِمِينَ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ يَثْبُتُ) بِالْهَزِيمَةِ وَيَلْزَمُهُ أَنَّ قِسْمَةَ الْإِمَامِ هُنَاكَ لَا تُفِيدُ مِلْكًا إلَّا إذَا كَانَ عَنْ اجْتِهَادٍ فَإِنَّهُ أَمْضَى الْقَضَاءَ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ أَوْ كَانَ لِحَاجَةٍ فَإِنَّ الْحَاجَةَ مَوْضِعُهَا مُسْتَثْنًى. وَاعْلَمْ أَنَّ حَقِيقَةَ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلْغَانِمِ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا بِالْقِسْمَةِ حَيْثُمَا كَانَتْ، أَوْ بِاخْتِيَارِ الْغَانِمِ التَّمَلُّكَ، وَلَيْسَ هُوَ قَائِلًا إنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلْغَانِمِينَ بِالْهَزِيمَةِ كَمَا نَقَلُوا عَنْهُ.
وَعِنْدَنَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْقَسْمِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَلَا يَثْبُتُ بِالْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ مِلْكٌ لِأَحَدٍ بَلْ يَتَأَكَّدُ الْحَقَّ، لِهَذَا لَوْ أَعْتَقَ وَاحِدٌ مِنْ الْغَانِمِينَ عَبْدًا بَعْدَ الْإِحْرَازِ لَا يَعْتِقُ، وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ مِلْكٌ مُشْتَرَكٌ عَتَقَ بِعِتْقِ الشَّرِيكِ وَيَجْرِي فِيهِ مَا عُرِفَ فِي عِتْقِ الشَّرِيكِ، وَتَخْرُجُ الْفُرُوعُ الْمُخْتَلِفَةُ عَلَى هَذَا: مِنْهَا لَوْ وَطِئَ بَعْضُ الْغَانِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَاحِدَةً مِنْ السَّبْيِ فَوَلَدَتْ فَادَّعَاهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ عِنْدَهُ لَا لِوَطْئِهِ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ بِمُجَرَّدِ الْهَزِيمَةِ بَلْ لِاخْتِيَارِهِ التَّمَلُّكَ فَبِالْهَزِيمَةِ ثَبَتَ لِكُلٍّ حَقُّ الْمِلْكِ، فَإِنْ سَلَّمْت بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ أَخَذَهَا، وَإِلَّا أَخَذَهَا وَكَمَّلَ مِنْ مَالِهِ قِيمَتَهَا يَوْمَ الْحَمْلِ.
وَعِنْدَنَا لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَعَلَيْهِ الْعُقْرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْدُثُ لِثُبُوتِ سَبَبِ الْمِلْكِ وَتُقْسَمُ الْجَارِيَةُ وَالْوَلَدُ وَالْعُقْرُ بَيْنَ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَا لَوْ اسْتَوْلَدَهَا بَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ عِنْدَنَا، وَإِنْ تَأَكَّدَ الْحَقَّ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ يُوجِبُ حَقَّ الْعِتْقِ وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْمِلْكِ فِي الْمَحَلِّ، بِخِلَافِ اسْتِيلَادِ جَارِيَةِ الِابْنِ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ التَّمَلُّكِ فَيَتَمَلَّكُهَا بِنَاءً عَلَى الِاسْتِيلَادِ، وَلَيْسَ لَهُ هُنَا تَمَلُّكُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute