للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا غَرَضَ أَصَحُّ مِنْ كَسْرِ شَوْكَةِ الْأَعْدَاءِ، ثُمَّ يُحْرَقُ بِالنَّارِ لِيَنْقَطِعَ مَنْفَعَتُهُ عَنْ الْكُفَّارِ وَصَارَ كَتَخْرِيبِ الْبُنْيَانِ بِخِلَافِ التَّحْرِيقِ قَبْلَ الذَّبْحِ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَبِخِلَافِ الْعَقْرِ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ، وَتُحْرَقُ الْأَسْلِحَةُ أَيْضًا، وَمَا لَا يَحْتَرِقُ مِنْهَا يُدْفَنُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَقِفُ عَلَيْهِ الْكُفَّارُ إبْطَالًا لِلْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِمْ.

نَعَمْ رُوِيَ مِنْ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ نَفْسِهِ، رَوَاهُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ بَعَثَ جُيُوشًا إلَى الشَّامِ، فَخَرَجَ يَتْبَعُ يَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ فَقَالَ: إنِّي أُوصِيَك بِعَشْرٍ: لَا تَقْتُلُنَّ صَبِيًّا وَلَا امْرَأَةً وَلَا كَبِيرًا هَرِمًا، وَلَا تَقْطَعَنَّ شَجَرًا مُثْمِرًا، وَلَا تَعْقِرَنَّ شَاةً وَلَا بَقَرَةً إلَّا لِمَأْكَلَةٍ، وَلَا تُخْرِبَنَّ عَامِرًا، وَلَا تُحَرِّقَنَّ، وَلَا تُغْرِقَنَّ، وَلَا تَجْبُنْ، وَلَا تَغْلُلْ. ثُمَّ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا آنَسَ الْفَتْحُ وَصَيْرُورَةُ الْبِلَادِ دَارَ إسْلَامٍ وَكَانَ ذَلِكَ هُوَ الْمُسْتَمِرَّ فِي بُعُوثِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ، فَبِاعْتِبَارِهِ كَانَ ذَلِكَ وَقَدْ قُلْنَا بِذَلِكَ. وَذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ فَلَا تُحْرِقْ وَلَا تُخْرِبْ لِأَنَّهُ إتْلَافُ مَالِ الْمُسْلِمِينَ؛ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ لَا تُحَرِّقَنَّ وَهُوَ قَدْ عَلِمَ قَوْلَهُ «أَغِرْ عَلَى أُبْنَى صَبَاحًا ثُمَّ حَرِّقْ» بَقِيَ مُجَرَّدُ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ وَأَنَّهُ لِغَرَضِ الْأَكْلِ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ (وَلَا غَرَضَ أَصَحُّ مِنْ كَسْرِ شَوْكَتِهِمْ) وَتَعْرِيضِهِمْ عَلَى الْهَلَكَةِ وَالْمَوْتِ وَإِنَّمَا يَحْرِقُ (لِيَنْقَطِعَ مَنْفَعَتُهُ عَنْ الْكُفَّارِ وَصَارَ كَتَخْرِيبِ الْبُنْيَانِ) وَالتَّحْرِيقُ لِهَذَا الْغَرَضِ الْكَرِيمِ (بِخِلَافِ التَّحْرِيقِ قَبْلَ الذَّبْحِ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ) وَفِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ فِي بَعْثٍ فَقَالَ لَنَا: إنْ وَجَدْتُمْ فُلَانًا وَفُلَانًا فَأَحْرَقُوهُمَا بِالنَّارِ، فَلَمَّا خَرَجْنَا دَعَانَا رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ: إنْ وَجَدْتُمْ فُلَانًا وَفُلَانًا فَاقْتُلُوهُمَا وَلَا تُحَرِّقُوهُمَا فَإِنَّهُ لَا يُعَذِّبُ بِهَا إلَّا اللَّهُ» وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ وَسَمَّاهُمَا هَبَّارُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَنَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْقَيْسِ، وَطَوَّلَهُ الْبَيْهَقِيُّ.

وَذَكَرَ السَّبَبَ أَنَّهُمَا كَانَا رَوَّعَا زَيْنَبَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ حِينَ خَرَجَتْ لَاحِقَةً بِهِ حَتَّى أَلْقَتْ مَا فِي بَطْنِهَا. وَالْقَضِيَّةُ مُفَصَّلَةٌ عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ مَعْرُوفَةٌ لِأَهْلِ السِّيَرِ.

وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا «تَحْرِيقَ عَلِيٍّ الزَّنَادِقَةَ الَّذِينَ أَتَى بِهِمْ فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: لَوْ كُنْت أَنَا لَمْ أَحْرِقْهُمْ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ وَلَقَتَلْتُهُمْ لِقَوْلِهِ مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَيَّانِ قَالَ: كُنْت عِنْدَ أُمِّ الدَّرْدَاءِ فَأَخَذْتُ بُرْغُوثًا فَأَلْقَيْته فِي النَّارِ، فَقَالَتْ: سَمِعْت أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إلَّا رَبُّ النَّارِ» هَذَا (وَتُحْرَقُ الْأَسْلِحَةُ أَيْضًا، وَمَا لَا يَحْتَرِقُ مِنْهَا كَالْحَدِيدِ يُدْفَنُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَقِفُ عَلَيْهِ الْكُفَّارُ إبْطَالًا لِلْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِمْ) وَمَا فِي فَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ: تُتْرَكُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فِي أَرْضٍ غَامِرَةٍ: أَيْ خَرِبَةٍ حَتَّى يَمُوتُوا جُوعًا كَيْ لَا يَعُودُوا حَرْبًا عَلَيْنَا؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ بِهِنَّ النَّسْلُ وَالصِّبْيَانُ يَبْلُغُونَ فَيَصِيرُونَ حَرْبًا عَلَيْنَا فَبَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ بِمَا هُوَ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ الَّذِي نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ فِي النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعْذِيبِ، ثُمَّ هُمْ قَدْ صَارُوا أُسَارَى بَعْدَ الِاسْتِيلَاءِ.

وَقَدْ «أَوْصَى النَّبِيُّ بِالْأَسْرَى خَيْرًا». حَدَّثَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ نَبِيهِ بْنِ وَهْبٍ أَخِي بَنِي عَبْدِ الدَّارِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ حِينَ أَقْبَلَ بِالْأُسَارَى فَرَّقَهُمْ بَيْنَ أَصْحَابِهِ وَقَالَ: اسْتَوْصُوا بِالْأُسَارَى خَيْرًا، فَقَالَ أَبُو عَزِيزٍ: مَرَّ بِي أَخِي مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يَأْسِرُنِي فَقَالَ لَهُ شُدَّ يَدَيْكَ بِهِ فَإِنَّ أُمَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>