للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُهُ بِغَيْرِ مَنْفَعَةٍ وَعِوَضٍ، وَمَا رَوَاهُ مَنْسُوخٌ بِمَا تَلَوْنَا

(وَإِذَا أَرَادَ الْإِمَامُ الْعَوْدَ وَمَعَهُ مَوَاشٍ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى نَقْلِهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ذَبَحَهَا وَحَرَقَهَا وَلَا يَعْقِرُهَا وَلَا يَتْرُكْهَا) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَتْرُكُهَا؛ لِأَنَّهُ «نَهَى عَنْ ذَبْحِ الشَّاةِ إلَّا لِمَأْكَلَةٍ».

وَلَنَا أَنَّ ذَبْحَ الْحَيَوَانِ يَجُوزُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ،

الشَّافِعِيِّ قَوْله تَعَالَى ﴿فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً﴾ وَلِأَنَّهُ «مَنَّ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ أَسْرَى بَدْرٍ مِنْهُمْ أَبُو الْعَاصِ بْنُ أَبِي الرَّبِيعِ» عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ بِسَنَدِهِ وَأَبُو دَاوُد مِنْ طَرِيقِهِ إلَى عَائِشَةَ «لَمَّا بَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ أَسْرَاهُمْ، بَعَثْت زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ فِي فِدَاءِ أَبِي الْعَاصِ بِمَالٍ وَبَعَثَتْ فِيهِ بِقِلَادَةٍ كَانَتْ خَدِيجَةُ أَدْخَلَتْهَا بِهَا عَلَى أَبِي الْعَاصِ حِينَ بَنَى بِهَا، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ ذَلِكَ رَقَّ لَهَا رِقَّةً شَدِيدَةً وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: إنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا وَتَرُدُّوا عَلَيْهَا الَّذِي لَهَا فَافْعَلُوا، فَفَعَلُوا» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَزَادَ «وَكَانَ النَّبِيُّ قَدْ أَخَذَ عَلَيْهِ أَنْ يُخَلِّيَ زَيْنَبَ إلَيْهِ فَفَعَلَ» وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ مِمَّنْ مَنَّ عَلَيْهِ الْمُطَّلِبُ بْنُ حَنْطَبٍ أَسَرَهُ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ فَخَلَّى سَبِيلَهُ.

وَأَبُو عَزَّةَ الْجُمَحِيُّ كَانَ مُحْتَاجًا ذَا بَنَاتٍ فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ فَمَنَّ عَلَيْهِ وَأَخَذَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُظَاهِرَ عَلَيْهِ أَحَدًا، وَامْتَدَحَ رَسُولَ اللَّهِ بِأَبْيَاتٍ ثُمَّ قَدِمَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ فِي أُحُدٍ فَأُسِرَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقِلْنِي، فَقَالَ : «لَا تَمْسَحْ عَارِضَيْك بِمَكَّةَ بَعْدَهَا، تَقُولُ خَدَعْت مُحَمَّدًا مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ أَمَرَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ» وَيَكْفِي مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ قَوْلِهِ فِي أُسَارَى بَدْرٍ «لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ» وَالْعَجَبُ مِنْ قَوْلِ شَارِحٍ بِهَذَا لَا يَثْبُتُ الْمَنُّ؛ لِأَنَّ لَوْ لِامْتِنَاعِ الشَّيْءِ لِامْتِنَاعِ غَيْرِهِ: يَعْنِي فَيُفِيدُ امْتِنَاعَ الْمَنِّ.

وَلَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى بَصَرٍ بِالْكَلَامِ أَنَّ التَّرْكِيبَ إخْبَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ كَلَّمَهُ لَتَرَكَهُمْ وَصِدْقُهُ وَاجِبٌ وَهُوَ بِأَنْ يَكُونَ الْمَنُّ جَائِزًا فَقَدْ أَخْبَرَ بِأَنَّهُ يُطْلِقُهُمْ لَوْ سَأَلَهُ إيَّاهُمْ، وَالْإِطْلَاقُ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ لَا يَثْبُتُ مِنْهُ إلَّا وَهُوَ جَائِزٌ شَرْعًا، وَكَوْنُهُ لَمْ يَقَعْ لِعَدَمِ وُقُوعِ مَا عُلِّقَ عَلَيْهِ، لَا يَنْفِي جَوَازَهُ شَرْعًا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.

وَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ مِنْ سُورَةِ بَرَاءَةَ فَإِنَّهَا تَقْتَضِي عَدَمَ جَوَازِ الْمَنِّ وَهِيَ آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ فِي هَذَا الشَّأْنِ، وَقِصَّةُ بَدْرٍ كَانَتْ سَابِقَةً عَلَيْهَا.

وَقَدْ يُقَالُ إنَّ ذَلِكَ فِي حَقِّ غَيْرِ الْأُسَارَى بِدَلِيلِ جَوَازِ الِاسْتِرْقَاقِ، فِيهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْقَتْلَ الْمَأْمُورَ حَتْمًا فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ

(قَوْلُهُ وَإِذَا أَرَادَ الْإِمَامُ الْعَوْدَ وَمَعَهُ مَوَاشٍ) أَيْ مِنْ مَوَاشِي أَهْلِ الْحَرْبِ (فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى نَقْلِهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ذَبَحَهَا ثُمَّ أَحْرَقَهَا وَلَا يَعْقِرُهَا) كَمَا نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُثْلَةِ بِالْحَيَوَانِ، وَعَقَرَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَرَسَهُ رُبَّمَا كَانَ لِظَنِّهِ عَدَمَ الْفَتْحِ فِي تِلْكَ الْوَقْعَةِ فَخَشَى أَنْ يَنَالَ الْمُشْرِكُونَ فَرَسَهُ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الذَّبْحِ لِضِيقِ الْحَالِ عَنْهُ بِالشُّغْلِ بِالْقِتَالِ أَوْ كَانَ قَبْلَ نَسْخِ الْمُثْلَةِ أَوْ عِلْمِهِ بِهَا (وَلَا يَتْرُكُهَا) لَهُمْ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) وَأَحْمَدُ (يَتْرُكُهَا؛ لِأَنَّهُ «نَهَى عَنْ ذَبْحِ الشَّاةِ إلَّا لِمَأْكَلَةٍ») قُلْنَا: هَذَا غَرِيبٌ لَمْ يُعْرَفْ عَنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>