للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ (وَمَنْ) (أَسْلَمَ مِنْهُمْ) مَعْنَاهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ

الْحَاجَةِ.

وَأَمَّا مَا يُؤْكَلُ لَا لِلتَّدَاوِي سَوَاءٌ كَانَ مُهَيَّأً لِلْأَكْلِ كَاللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ وَالْخُبْزِ وَالزَّبِيبِ وَالْعَسَلِ وَالسُّكَّرِ وَالْفَاكِهَةِ الْيَابِسَةِ وَالرَّطْبَةِ وَالْبَصَلِ وَالشَّعِيرِ وَالتِّبْنِ وَالْأَدْهَانِ الْمَأْكُولَةِ كَالزَّيْتِ وَالسَّمْنِ فَلَهُمْ الْأَكْلُ، وَالْأَدْهَانُ تِلْكَ الْأَدْهَانُ؛ لِأَنَّ الْأَدْهَانَ انْتِفَاعٌ فِي الْبَدَنِ كَالْأَكْلِ وَيُوقِحُوا الدَّوَابَّ بِهَا، وَتَوْقِيحُ الدَّابَّةِ تَصْلِيبُ حَافِرِهَا بِالدُّهْنِ إذَا حَفِيَ مِنْ كَثْرَةِ الْمَشْيِ. وَالرَّاءُ أَيْ التَّرْقِيحُ خَطَأٌ، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ لَكِنَّ الْأَصَحَّ جَوَازُهُ.

وَنُقِلَ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِالرَّاءِ مِنْ التَّرْقِيحِ وَهُوَ الْإِصْلَاحُ قَالَ: هَكَذَا قَرَأْنَا عَلَى الْمَشَايِخِ.

وَفِي الْجَمْهَرَةِ: رَقَّحَ عَيْشَهُ تَرْقِيحًا إذَا أَصْلَحَهُ

وَأَنْشَدَ:

يَتْرُكُ مَا رَقَّحَ مِنْ عَيْشِهِ … يَعِيثُ فِيهِ هَمَجُ هَامِجٍ

وَالْهَمَجُ مِنْ النَّاسِ هُمْ الَّذِينَ لَا نِظَامَ لَهُمْ، فَالتَّرْقِيحُ أَعَمُّ مِنْ التَّوْقِيحِ، وَكَذَا كُلُّ مَا يَكُونُ غَيْرَ مُهَيَّأٍ كَالْغَنَمِ وَالْبَقَرِ فَلَهُمْ ذَبْحُهَا وَأَكْلُهَا وَيَرُدُّونَ الْجِلْدَ إلَى الْغَنِيمَةِ.

ثُمَّ شَرَطَ فِي السِّيَرِ الصَّغِيرِ الْحَاجَةَ إلَى التَّنَاوُلِ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَلَمْ يَشْتَرِطْهَا فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ، وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، فَيَجُوزُ لِكُلٍّ مِنْ الْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ تَنَاوُلُهُ إلَّا التَّاجِرَ وَالدَّاخِلَ لِخِدْمَةِ الْجُنْدِيِّ بِأَجْرٍ لَا يَحِلُّ لَهُمْ، وَلَوْ فَعَلُوا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ وَيَأْخُذُ مَا يَكْفِيهِ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ عَبِيدِهِ وَنِسَائِهِ وَصِبْيَانِهِمْ الَّذِينَ دَخَلُوا مَعَهُ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ مَا يَكْفِي الدَّاخِلَ لِخِدْمَتِهِ كَعَبْدِهِ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ عَلَيْهِ عَادَةً فَصَارَ الْحَاصِلُ مَنْعَ الدَّاخِلِ بِنَفْسِهِ دُونَ الْغَازِي أَنْ يَأْخُذَ لِأَجَلِهِ، وَلِأَنَّ دَلِيلَ الْحَاجَةِ قَائِمٌ وَهُوَ كَوْنُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ مُنْقَطِعًا عَنْ الْأَسْبَابِ فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ نَحْوِ الثِّيَابِ وَالسِّلَاحِ يُنَاطُ بِحَقِيقَةِ الْحَاجَةِ، وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَوْلِهِ «فِي طَعَامِ خَيْبَرَ كُلُوهَا وَاعْلِفُوهَا وَلَا تُحَمِّلُوهَا» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.

أَنْبَأْنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بَشْرَانَ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا الْوَاقِدِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «يَوْمَ خَيْبَرَ كُلُوا وَاعْلِفُوا وَلَا تَحْمِلُوا» وَأَخْرَجَهُ الْوَاقِدِيُّ فِي مَغَازِيهِ بِغَيْرِ هَذَا السَّنَدِ، وَهَذَا الْإِطْلَاقُ يُوَافِقُ رِوَايَةَ السِّيَرِ الْكَبِيرِ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى: " أَصَبْنَا طَعَامًا يَوْمَ خَيْبَرَ فَكَانَ الرَّجُلُ يَجِيءُ فَيَأْخُذُ مِنْهُ مِقْدَارَ مَا يَكْفِيهِ ثُمَّ يَنْصَرِفُ ". وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ هَانِئِ بْنِ كُلْثُومٍ أَنَّ صَاحِبَ جَيْشِ الشَّامِ كَتَبَ إلَى عُمَرَ : إنَّا فَتَحْنَا أَرْضًا كَثِيرَةَ الطَّعَامِ وَالْعَلَفِ فَكَرِهْت أَنْ أَتَقَدَّمَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِأَمْرِك، فَكَتَبَ إلَيْهِ: دَعْ النَّاسَ يَأْكُلُونَ وَيَعْلِفُونَ، فَمَنْ بَاعَ شَيْئًا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَفِيهِ خُمُسٌ لِلَّهِ وَسِهَامٌ لِلْمُسْلِمِينَ.

وَهَذَا دَلِيلُ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، وَلَا يَتَمَوَّلُونَهُ، فَإِنْ بَاعُوا رَدُّوا الثَّمَنَ إلَى الْغَنِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ عِوَضُ عَيْنٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ الْغَانِمِينَ اسْتِحْقَاقًا

(قَوْلُهُ وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ) هُنَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْنَا حَتَّى ظَهَرَ عَلَى الدَّارِ. وَالْحُكْمُ فِيهَا مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ أَنَّهُ أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَوَلَدَهُ الصِّغَارَ وَمَا كَانَ فِي يَدِهِ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ إلَى آخِرِ مَا سَنَذْكُرُ.

ثَانِيهَا أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى الدَّارِ فَجَمِيعُ مَا لَهُ هُنَاكَ فَيْءٌ إلَّا أَوْلَادَهُ الصِّغَارَ؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَسْلَمَ كَانَ مُسْتَتْبِعًا لَهُمْ فَصَارُوا مُسْلِمِينَ فَلَا يَرُدُّ الرِّقَّ عَلَيْهِمْ ابْتِدَاءً، بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ لِانْقِطَاعِ يَدِهِ عَنْهُ بِالتَّبَايُنِ فَيَغْنَمُ، وَمَا أَوْدَعَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا لَيْسَ فَيْئًا لِأَنَّ يَدَهُمَا يَدٌ صَحِيحَةٌ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ فَتَدْفَعُ إحْرَازَ الْمُسْلِمِ فَتُرَدُّ عَلَيْهِ، وَمَا أَوْدَعَ حَرْبِيًّا فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَيْءٌ.

وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَهُ لِأَنَّ يَدَهُ تَخْلُفُ يَدَهُ.

وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>