(أَحْرَزَ بِإِسْلَامِهِ نَفْسَهُ) لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يُنَافِي ابْتِدَاءَ الِاسْتِرْقَاقِ (وَأَوْلَادَهُ الصِّغَارَ) لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا (وَكُلُّ مَالٍ هُوَ فِي يَدِهِ) لِقَوْلِهِ ﵊ «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مَالٍ فَهُوَ لَهُ» وَلِأَنَّهُ سَبَقَتْ يَدَهُ الْحَقِيقِيَّةَ إلَيْهِ يَدُ الظَّاهِرِينَ عَلَيْهِ (أَوْ وَدِيعَةً فِي يَدِ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ)
لَيْسَتْ يَدًا صَحِيحَةً حَتَّى لَا تَدْفَعَ اغْتِنَامَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ أَمْوَالِهِ.
وَثَالِثُهَا مُسْتَأْمَنٌ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ ظَهَرْنَا عَلَى دَارِهِ فَجَمِيعُ مَا خَلَفَهُ فِيهَا مِنْ الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ وَالْمَالِ فَيْءٌ؛ لِأَنَّ تَبَايُنَ الدَّارَيْنِ قَاطِعٌ لِلْعِصْمَةِ، فَبِالظُّهُورِ ثَبَتَ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى مَالٍ غَيْرِ مَعْصُومٍ، أَمَّا فِي غَيْرِ الْأَوْلَادِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِيهِمْ فَلِأَنَّهُمْ لَمْ يَصِيرُوا مُسْلِمِينَ بِإِسْلَامِهِ لِانْقِطَاعِ التَّبَعِيَّةِ بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ فَكَانُوا مِنْ جُمْلَةِ الْأَمْوَالِ.
رَابِعُهَا: دَخَلَ الْمُسْلِمُ أَوْ الذِّمِّيُّ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ وَاشْتَرَى مِنْهُمْ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا ثُمَّ ظَهَرْنَا عَلَى الدَّارِ فَالْكُلُّ لَهُ إلَّا الدُّورَ وَالْأَرْضِينَ فَإِنَّهَا فَيْءٌ؛ لِأَنَّ يَدَهُ صَحِيحَةٌ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ فَتَكُونُ يَدُهُ مُحْرِزَةً دَافِعَةً لِإِحْرَازِ الْمُسْلِمِينَ إيَّاهَا، فَأَمَّا الْأَرْضُونَ فَالْوَجْهُ فِيهَا مَا سَنَذْكُرُ، وَمَنْ قَاتَلَ مِنْ عَبِيدِهِ فَيْءٌ وَامْرَأَتُهُ الْحُبْلَى الْحَرْبِيَّةُ وَمَا فِي بَطْنِهَا فَيْءٌ وَوَدِيعَتُهُ وَلَوْ عِنْدَ حَرْبِيٍّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَيَدُهُ عَلَيْهَا.
وَلْنَأْتِ إلَى مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ قَالَ: وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ إلَخْ، قَالَ الْمُصَنِّفُ: مَعْنَاهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَيَّدَ بِهِ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ أَسْلَمَ مُسْتَأْمَنٌ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى الدَّارِ فَإِنَّ جَمِيعَ مَا خَلَفَهُ فِيهَا حَتَّى صِغَارَهُ فَيْءٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَهُوَ بَعْدَ ذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ خَرَجَ إلَيْنَا أَوْ لَمْ يَخْرُجْ إلَيْنَا، وَالْحُكْمُ الْمَذْكُورُ يَخُصُّ مَا إذَا لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى ظَهَرَ عَلَى الدَّارِ لِمَا سَمِعْته آنِفًا مِنْ أَنَّ الَّذِي خَرَجَ فَظَهَرَ عَلَى الدَّارِ وَهُوَ عِنْدَنَا لَا يُحْرِزُ غَيْرَ بَنِيهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِكُلِّ مَنْ كَوْنُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَكَوْنُهُ لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى ظَهَرَ عَلَى الدَّارِ وَحِينَئِذٍ (يُحْرِزُ نَفْسَهُ وَأَوْلَادَهُ الصِّغَارَ؛ لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ تَبَعًا وَكُلَّ مَالٍ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى نَفْسِهِ مِنْ نَقْدٍ وَعَبِيدٍ وَإِمَاءٍ لَمْ يُقَاتِلُوا (لِقَوْلِهِ ﵊ «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مَالٍ فَهُوَ لَهُ»). قَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا الثِّقَةُ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَهِيعَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ» وَأَحْسَنُ مِنْ هَذَا السَّنَدِ سَنَدُ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْحَدِيثَ، وَهَذَا مُرْسَلٌ صَحِيحٌ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَبَانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ صَخْرِ بْنِ الْعَيْلَةِ «أَنَّهُ ﵊ غَزَا ثَقِيفًا، فَسَاقَهُ إلَى أَنْ قَالَ فَدَعَاهُ: أَيْ دَعَا النَّبِيُّ ﷺ صَخْرًا فَقَالَ لَهُ: إنَّ الْقَوْمَ إذَا أَسْلَمُوا أَحْرَزُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، ثُمَّ سَاقَهُ إلَى أَنْ قَالَ: وَسَأَلَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ مَاءً لِبَنِي سُلَيْمٍ فَأَنْزَلَهُ إيَّاهُ وَأَسْلَمَ، يَعْنِي السُّلَيْمِيِّينَ، وَسَاقَهُ إلَى أَنْ قَالَ: فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْلَمْنَا وَأَتَيْنَا صَخْرًا لِيَدْفَعَ إلَيْنَا مَاءَنَا فَأَبَى، فَدَعَاهُ فَقَالَ: يَا صَخْرُ إنَّ الْقَوْمَ إذَا أَسْلَمُوا أَحْرَزُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ فَادْفَعْ إلَى الْقَوْمِ مَاءَهُمْ» وَأَبَانُ هَذَا مُخْتَلَفٌ فِي تَوْثِيقِهِ وَتَضْعِيفِهِ، وَصَخْرُ بْنُ الْعَيْلَةِ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ يَلِيهَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتُ، وَيُقَالُ ابْنُ أَبِي الْعَيْلَةِ (وَلِأَنَّهُ سَبَقَتْ يَدُهُ الْحَقِيقِيَّةُ إلَيْهِ يَدَ الظَّاهِرِينَ عَلَيْهِ) وَقَوْلُهُ (أَوْ وَدِيعَةً) أَوْدَعَهَا (فِي يَدِ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute