(ثُمَّ لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (وَقَالَا: لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ ﵁ «أَنَّ النَّبِيَّ ﵊ أَسْهَمَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا» وَلِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْغِنَاءِ وَغِنَاؤُهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْثَالِ الرَّاجِلِ؛ لِأَنَّهُ لِلْكَرِّ وَالْفَرِّ وَالثَّبَاتِ، وَالرَّاجِلُ لِلثَّبَاتِ لَا غَيْرُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄ «أَنَّ النَّبِيَّ ﵊ أَعْطَى الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ وَالرَّاجِلَ سَهْمًا» فَتَعَارَضَ فِعْلَاهُ، فَيُرْجَعُ إلَى قَوْلِهِ وَقَدْ قَالَ ﵊ «لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ» كَيْفَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أَنَّ النَّبِيَّ ﵊ قَسَّمَ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ»
مِنْ أَنْ يَثْبُتَ حَقُّ الْغَانِمِينَ فِيهِ فَكَانَ اسْتِثْنَاءَ مَعْنًى لِلْإِخْرَاجِ، وَهُوَ مِنْ اسْتَثْنَيْت الشَّيْءَ: أَيْ زَوَيْته لِنَفْسِي، فَهَذَا يَرْجِعُ إلَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لَا قِسْمَةِ الْإِمَامِ بَلْ الْخُمُسُ دَاخِلٌ فِي قِسْمَتِهِ؛ إذْ حَاصِلُ بَيَانِ قِسْمَتِهَا هُوَ أَنْ يُعْطِيَ خُمُسَهَا لِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ عَلَى مَا سَيَأْتِي، وَيُعْطِيَ الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسِ لِلْغَانِمِينَ (فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَزَفَرٍ (لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ وَعِنْدَهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ (لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ) لَهُمْ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ ﷺ جَعَلَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِصَاحِبِهِ سَهْمًا». لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَأَخْرَجَهُ السِّتَّةُ إلَّا النَّسَائِيّ.
وَفِي مُسْلِمٍ عَنْهُ «قَسَمَ فِي النَّقْلِ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا» وَفِي رِوَايَةٍ بِإِسْقَاطِ لَفْظِ النَّقْلِ.
وَفِي رِوَايَةٍ «أَسْهَمَ لِلرَّجُلِ وَلِفَرَسِهِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ: سَهْمٌ لَهُ وَسَهْمَانِ لِفَرَسِهِ» وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا تُبْطِلُ قَوْلَ مَنْ أَوَّلَ مِنْ الشُّرَّاحِ كَوْنَ الْمُرَادُ مِنْ الرِّجَالِ الرَّجَّالَةَ وَمِنْ الْخَيْلِ الْفُرْسَانَ، بَلْ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ الْقَائِلَةِ «قَسَمَ خَيْبَرَ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا، وَكَانَتْ الرَّجَّالَةُ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ وَالْخَيْلُ مِائَتَيْنِ» وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ (وَلِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْغَنَاءِ) وَهُوَ بِالْمَدَدِ وَالْفَتْحِ الْإِجْزَاءُ وَالْكِفَايَةُ (وَغَنَاءُ الْفَارِسِ الْكَرُّ) أَيْ الْحَمَلَةُ عَلَى الْأَعْدَاءِ (وَالْفَرُّ) الْكَائِنُ لِلْكَرَّةِ أَوْ لِلنَّجَاةِ فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ الْفِرَارُ، وَهُوَ مَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ مَقْتُولٌ إنْ لَمْ يَفِرَّ كَيْ لَا يَرْتَكِبَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ (وَالثَّبَاتُ وَلَيْسَ لِلرَّاجِلِ إلَّا الثَّبَاتُ) فَأَغْنَى فِي ثَلَاثَةِ أُمُورٍ، وَالرَّاجِلُ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا.
وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّهُ ﵊ أَعْطَى الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ وَالرَّاجِلَ سَهْمًا» وَهُوَ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بَلْ الَّذِي رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ غَزْوَانَ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «أَسْهَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا». وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوُهُ فِي حَدِيثِ الْخُمُسِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute