للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَالْبَرَاذِينُ وَالْعَتَاقُ سَوَاءٌ) لِأَنَّ الْإِرْهَابَ مُضَافٌ إلَى جِنْسِ الْخَيْلِ فِي الْكِتَابِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ وَاسْمُ الْخَيْلِ يَنْطَلِقُ عَلَى الْبَرَاذِينِ وَالْعِرَابِ وَالْهَجِينِ وَالْمَقْرِفِ إطْلَاقًا وَاحِدًا، وَلِأَنَّ الْعَرَبِيَّ إنْ كَانَ فِي الطَّلَبِ وَالْهَرَبِ أَقْوَى فَالْبِرْذَوْنُ أَصَبْرُ وَأَلْيَنُ عَطْفًا، فَفِي كُلِّ وَاحِدِ مِنْهُمَا مَنْفَعَةٌ مُعْتَبَرَةٌ فَاسْتَوَيَا.

(وَمَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَارِسًا فَنَفَقَ فَرَسُهُ اسْتَحَقَّ سَهْمَ الْفُرْسَانِ، وَمَنْ دَخَلَ رَاجِلًا فَاشْتَرَى فَرَسًا اسْتَحَقَّ سَهْمَ رَاجِلٍ) وَجَوَابُ الشَّافِعِيِّ عَلَى عَكْسِهِ فِي الْفَصْلَيْنِ،

عِنْدِي أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى أَنَّهُ أَعْطَاهُ مِنْ سَهْمِهِ وَإِلَّا لَمْ يُسَمَّ نَفْلًا بَلْ هِبَةً. وَخَبَرُ سَلَمَةَ وَاللِّقَاحِ مُفَصَّلٌ فِي السِّيرَةِ (قَوْلُهُ وَالْبَرَاذِينُ) وَهِيَ خَيْلُ الْعَجَمِ وَاحِدُهَا بِرْذَوْنٌ (وَالْعَتَاقُ) جَمْعُ عَتِيقٍ: أَيْ كَرِيمٌ رَاتِعٌ وَهِيَ كِرَامُ الْخَيْلِ الْعَرَبِيَّةِ، وَالْبَرَاذِينُ وَالْخَيْلُ الْعَرَبِيَّةُ هُمَا (سَوَاءٌ) فِي الْقِسْمِ فَلَا يَفْضُلُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَكَذَا لَا يَفْضُلُ الْعَتِيقُ عَلَى الْهَجِينِ وَهُوَ مَا يَكُونُ أَبُوهُ مِنْ الْبَرَاذِينِ وَأُمُّهُ عَرَبِيَّةٌ، وَلَا عَلَى الْمَقْرِفِ وَهُوَ مَا يَكُونُ أَبُوهُ عَرِيبًا وَأُمُّهُ بِرْذَوْنَةً. قِيلَ إنَّمَا ذَكَرَ هَذَا لِأَنَّ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ مَنْ يَقُولُ لَا يُسْهِمُ لِلْبَرَاذِينِ وَرَوَوْا فِيهِ حَدِيثًا شَاذًّا.

وَحُجَّتُنَا فِيهِ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ أَنَّ إطْلَاقَ الْخَيْلِ يَشْمَلُهُمَا، وَكَذَا الْإِرْهَابُ، وَلِأَنَّ فِي كُلٍّ خُصُوصِيَّةً لَيْسَتْ فِي الْآخَرِ. فَالْعَتِيقُ إنْ فُضِّلَ بِجَوْدَةِ الْكَرِّ وَالْفَرِّ فَالْبِرْذَوْنُ يُفَضَّلُ بِزِيَادَةِ قُوَّتِهِ عَلَى الْحَمْلِ وَالصَّبْرِ وَلِينِ الْعِطْفِ، وَكَوْنُهُ أَلْيَنَ عِطْفًا مِنْ الْعَرَبِيِّ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ هَذَا دَائِرٌ مَعَ التَّعْلِيمِ، وَالْعَرَبِيُّ أَقْبَلُ لِلْآدَابِ مِنْ الْعَجَمِيِّ مِنْ الْخَيْلِ، وَكَوْنُ أَحَدٍ يَقُولُ لَا يُسْهِمُ بِالْكُلِّيَّةِ لِلْفَرَسِ الْعَجَمِيِّ بَعِيدٌ.

وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرَهُ لِمَا نَقَلَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ فَضَّلَ أَصْحَابَ الْخَيْلِ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى الْمُقَارِفِ.

وَفِي سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ قَالَ: كَتَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى سَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ الْبَاهِلِيِّ وَهُوَ بِأَرْمِينِيَّةَ يَأْمُرُهُ أَنْ يُفَضِّلَ أَصْحَابَ الْخَيْلِ الْعِرَابِ عَلَى أَصْحَابِ الْخَيْلِ الْمُقَارِفِ فِي الْعَطَاءِ، فَعَرَضَ الْخَيْلَ فَمَرَّ بِهِ عَمْرُو بْنُ مُعْدِي كَرِبَ فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: فَرَسُكَ هَذَا مُقْرِفٌ، فَغَضِبَ عَمْرٌو وَقَالَ: هَجِينٌ عَرَفَ هَجِينًا مِثْلَهُ، فَوَثَبَ إلَيْهِ قَيْسٌ: يَعْنِي ابْنَ مَكْشُوحٍ فَتَوَعَّدَهُ، فَقَالَ عَمْرٌو:

أَتُوعِدُنِي كَأَنَّك ذُو رُعَيْنٍ … بِأَفْضَلِ عِيشَةٍ أَوْ ذُو نُوَاسِ

وَكَائِنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنْ نُعَيْمٍ … وَمُلْكٍ ثَابِتُ فِي النَّاسِ رَاسِي

قَدِيمٌ عَهْدُهُ مِنْ عَهْدِ عَادٍ … عَظِيمٌ قَاهِرُ الْجَبَرُوتِ قَاسِي

فَأَمْسَى أَهْلُهُ بَادُوا وَأَمْسَى … يُحَوَّلُ مِنْ أُنَاسٍ فِي أُنَاسِ

(قَوْلُهُ وَمَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَارِسًا فَنَفَقَ فَرَسُهُ) أَيْ هَلَكَ فَقَاتَلَ رَاجِلًا (اسْتَحَقَّ سَهْمَ الْفُرْسَانِ. وَمَنْ دَخَلَ رَاجِلًا فَاشْتَرَى) فِي دَارِ الْحَرْبِ (فَرَسًا) فَقَاتَلَ فَارِسًا عَلَيْهِ (اسْتَحَقَّ سَهْمَ رَاجِلٍ، وَجَوَابُ الشَّافِعِيِّ عَلَى عَكْسِهِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>