وَلَا مُعْتَبَرَ بِهَا؛ وَلِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى حَقِيقَةِ الْقِتَالِ مُتَعَسِّرٌ؛ وَكَذَا عَلَى شُهُودِ الْوَقْعَةِ لِأَنَّ حَالَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ فَتُقَامُ الْمُجَاوَزَةُ مَقَامَهُ؛ إذْ هُوَ السَّبَبُ الْمُفْضِي إلَيْهِ ظَاهِرًا إذَا كَانَ عَلَى قَصْدِ الْقِتَالِ فَيُعْتَبَرُ حَالُ الشَّخْصِ بِحَالَةِ الْمُجَاوَزَةِ فَارِسًا كَانَ أَوْ رَاجِلًا.
وَلَوْ دَخَلَ فَارِسًا وَقَاتَلَ رَاجِلًا لِضِيقِ الْمَكَانِ يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفُرْسَانِ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَوْ دَخَلَ فَارِسًا ثُمَّ بَاعَ فَرَسَهُ أَوْ وَهَبَ أَوْ أَجَّرَ أَوْ رَهَنَ فَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفُرْسَانِ اعْتِبَارًا لِلْمُجَاوَزَةِ.
وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الرَّجَّالَةِ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ بِالْمُجَاوَزَةِ الْقِتَالُ فَارِسًا.
وَلَوْ بَاعَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ لَمْ يَسْقُطْ سَهْمُ الْفُرْسَانِ، وَكَذَا إذَا بَاعَ فِي حَالَةِ الْقِتَالِ عِنْدَ الْبَعْضِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَسْقُطُ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَرَضَهُ التِّجَارَةُ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ يَنْتَظِرُ عِزَّتَهُ
الْمُجَاوَزَةِ إلَى دَرَاهِمِ، وَسُلُوكُهُمْ قَهْرًا بِالْمَنَعَةِ لِإِهْلَاكِهِمْ وَإِلَى حَقِيقَةِ الْمُسَايَفَةِ (وَلَا مُعْتَبَرَ بِحَالِ الدَّوَامِ، وَلِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى حَقِيقَةِ الْقِتَالِ مُتَعَسِّرٌ، وَكَذَا عَلَى شُهُودِ الْوَقْعَةِ لِأَنَّ حَالَ) شُغْلِ شَاغِلٍ لِكُلِّ أَحَدٍ فَيَتَعَذَّرُ عَلَى الْإِمَامِ اسْتِعْلَامُهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِشَهَادَةِ الْعَدْلِ بِهِ لِكُلِّ فَرْدٍ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ، بِخِلَافِهِ فِي حَقِّ أَفْرَادٍ قَلِيلَةٍ مِنْ النَّاسِ كَقِتَالِ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ فَأُدِيرَ فِي حَقِّهِمْ عَلَيْهِ دُونَ سَائِرِ النَّاسِ فَيُقَامُ فِي حَقِّ الْكُلِّ السَّبَبُ الْمُفْضِي إلَى الْقِتَالِ ظَاهِرَ مَقَامِهِ فَيَكُونُ هُوَ الْمُعْتَبَرَ فِي حَقِّ الْعَامَّةِ.
وَأَمَّا مَا قِيلَ فِي التَّعَذُّرِ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ أَهْلِ الْعَسْكَرِ لَا تُقْبَلُ لِلتُّهْمَةِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، بَلْ يَجِبُ قَبُولُهَا؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ عَلَى أَنَّ هَذَا قَاتَلَ فَارِسًا لَا يَجُرُّ بِذَلِكَ نَفْعًا لِنَفْسِهِ بَلْ ضَرَرًا فَإِنَّهُ يُنْقِصُ سَهْمَ نَفْسِهِ فَهُوَ يُلْزِمُ نَفْسَهُ أَوَّلًا الضَّرَرَ، وَشَرِكَتَهُ فِي أَصْلِ الْمَغْنَمِ لَيْسَتْ مُتَوَقِّفَةً عَلَى شَهَادَتِهِ هَذِهِ؛ أَلَا يَرَى إلَى مَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِ أَبِي قَتَادَةَ: مَنْ يَشْهَدُ لِي حَيْثُ جَعَلَ ﵊ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ فِي حُنَيْنٍ؟ فَشَهِدَ لَهُ وَاحِدٌ فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ، وَقَالَ ﵊ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ» وَلَا بَيِّنَةَ إلَّا أَهْلُ الْعَسْكَرِ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ خُصُوصًا فِي غَزَوَاتِهِ ﵊ (وَلَوْ دَخَلَ فَارِسًا وَقَاتَلَ رَاجِلًا لِضِيقِ الْمَكَانِ) أَوْ لِمُشَجَّرَةٍ أَوْ لِأَنَّهُ فِي سَفِينَةٍ دَخَلَ فِيهَا بِفَرَسِهِ لِيُقَاتِلَ عَلَيْهَا إذَا خَلَصَ إلَى بَرِّهِمْ فَلَاقُوهُمْ قَبْلَهُ وَاقْتَتَلُوا فِي السَّفِينَةِ كَانَ لَهُمْ سَهْمُ الْفُرْسَانِ (وَلَوْ دَخَلَ فَارِسًا ثُمَّ بَاعَ فَرَسَهُ أَوْ وَهَبَهُ) وَسَلَّمَهُ (أَوْ أَجَّرَهُ أَوْ رَهَنَهُ فَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفُرْسَانِ اعْتِبَارًا لِلْمُجَاوَزَةِ وَفِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لَا يَسْتَحِقُّهُ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِالْمُجَاوَزَةِ)
بِالْفَرَسِ (الْقِتَالَ) عَلَيْهِ بَلْ التِّجَارَةَ بِهِ، وَسَبَبُ اسْتِحْقَاقِ سَهْمِ الْفَارِسِ هُوَ الْمُجَاوَزَةُ عَلَى قَصْدِ الْقِتَالِ عَلَيْهِ لَا مُطْلَقُ الْمُجَاوَزَةِ (وَلَوْ بَاعَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْقِتَالِ لَا يَسْقُطُ سَهْمُ الْفَارِسِ) بِالِاتِّفَاقِ (وَكَذَا إذَا بَاعَهُ حَالَةَ الْقِتَالِ) لَا يَسْقُطُ (عِنْدَ الْبَعْضِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَسْقُطُ) لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ قَصْدَهُ التِّجَارَةُ وَإِنَّمَا انْتَظَرَ حَالَةَ الْعِزَّةِ. وَعُورِضَ بِأَنَّ تِلْكَ الْحَالَةِ حَالَةُ الْمُخَاطَرَةِ بِالنَّفْسِ فَلَمْ يَكُنْ الْبَيْعُ دَلِيلًا عَلَى قَصْدِ التِّجَارَةِ لِأَنَّ تِلْكَ الْحَالَةَ طَلَبُ النَّفْسِ التَّحَصُّنَ، فَبَيْعُهُ فِيهَا دَلِيلٌ أَنَّهُ عَنَّ لَهُ غَرَضٌ الْآنَ فِيهِ، إمَّا لِأَنَّهُ وَجَدَهُ غَيْرَ مُوَافِقٍ لَهُ فَرُبَّمَا يَقْتُلُهُ لِعَدَمِ أَدَبِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْعَادَةَ لَيْسَ هُوَ الْبَيْعَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْعُقُودِ حَالَةَ الْقِتَالِ لِيَكُونَ بَيْعُهُ إذْ ذَاكَ انْتِظَارًا لِحَالَةِ الرَّغَبَاتِ فِي الشِّرَاءِ.
وَفِي الْمُحِيطِ: لَوْ جَاوَزَ بِفَرَسٍ لَا يَسْتَطِيعُ الْقِتَالُ عَلَيْهِ لِكِبَرِهِ أَوْ ضَعْفِهِ أَوْ هُزَالِهِ لَا يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفُرْسَانِ، وَإِنْ كَانَ الْفَرَسُ مَرِيضًا فَعَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فِيهِ، وَلَوْ جَاوَزَ عَلَى فَرَسٍ مَغْصُوبٍ أَوْ مُسْتَعَارٍ أَوْ مُسْتَأْجَرٍ ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ الْمَالِكُ فَشَهِدَ الْوَقْعَةَ رَاجِلًا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute