للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَلَا يُسْهِمُ لِمَمْلُوكٍ وَلَا امْرَأَةٍ وَلَا صَبِيٍّ وَلَا ذِمِّيٍّ وَلَكِنْ يَرْضَخُ لَهُمْ عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى الْإِمَامُ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ كَانَ لَا يُسْهِمُ لِلنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْعَبِيدِ وَكَانَ يَرْضَخُ لَهُمْ» وَلَمَّا اسْتَعَانَ بِالْيَهُودِ عَلَى الْيَهُودِ لَمْ يُعْطِهِمْ شَيْئًا مِنْ الْغَنِيمَةِ: يَعْنِي أَنَّهُ لَمْ يُسْهِمْ لَهُمْ، وَلِأَنَّ الْجِهَادَ عِبَادَةٌ، وَالذِّمِّيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ، وَالصَّبِيُّ وَالْمَرْأَةُ عَاجِزَانِ عَنْهُ وَلِهَذَا لَمْ يَلْحَقْهُمَا فَرْضُهُ، وَالْعَبْدُ لَا يُمْكِنُهُ الْمُوَلَّى وَلَهُ مَنْعُهُ، إلَّا أَنَّهُ يَرْضَخُ لَهُمْ تَحْرِيضًا عَلَى الْقِتَالِ مَعَ إظْهَارِ انْحِطَاطِ رُتْبَتِهِمْ، وَالْمُكَاتَبُ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ لِقِيَامِ الرِّقِّ وَتَوَهُّمِ عَجْزِهِ فَيَمْنَعُهُ الْمُوَلَّى عَنْ الْخُرُوجِ إلَى الْقِتَالِ

فِي رِوَايَةٍ لَهُ سَهْمُ فَارِسٍ، وَفِي رِوَايَةٍ سَهْمُ رَاجِلٍ. وَمُقْتَضَى كَوْنِهِ جَاوَزَ بِفَرَسٍ لِقَصْدِ الْقِتَالِ عَلَيْهِ تُرَجَّحُ الْأُولَى، إلَّا أَنْ يُزَادَ فِي أَجْزَاءِ السَّبَبِ بِفَرَسٍ مَمْلُوكٍ وَهُوَ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْتَرِدَّهُ الْمُعِيرُ وَغَيْرُهُ حَتَّى قَاتَلَ عَلَيْهِ كَانَ فَارِسًا

(قَوْلُهُ وَلَا يُسْهِمُ لِمَمْلُوكٍ وَلَا امْرَأَةٍ وَلَا صَبِيٍّ وَلَا ذِمِّيٍّ وَلَكِنْ يَرْضَخُ لَهُمْ) أَيْ يُعْطَوْنَ مِنْ كَثِيرٍ، فَإِنَّ الرَّضْخَةَ هِيَ الْإِعْطَاءُ كَذَلِكَ، وَالْكَثِيرُ السَّهْمُ، فَالرَّضْخُ لَا يَبْلُغُ السَّهْمَ وَلَكِنْ دُونَهُ (عَلَى حَسَبِ مَا يَرَى الْإِمَامُ) وَسَوَاءٌ قَاتَلَ الْعَبْدُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ (وَالْمُكَاتَبُ كَالْعَبْدِ) لِمَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ النَّبِيَّ كَانَ لَا يُسْهِمُ إلَخْ.

أَخْرَجَ مُسْلِمٌ: كَتَبَ نَجْدَةُ بْنُ عَامِرٍ الْحَرُورِيُّ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ عَنْ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ يَحْضُرَانِ الْمَغْنَمَ هَلْ يُقْسَمُ لَهُمَا؟ فَكَتَبَ إلَيْهِ: أَنْ لَيْسَ لَهُمَا شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُحْذَيَا. وَفِي أَبِي دَاوُد عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ: كَتَبَ نَجْدَةُ الْحَرُورِيُّ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَسْأَلُهُ عَنْ النِّسَاءِ هَلْ كُنَّ يَشْهَدْنَ الْحَرْبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ؟ قَالَ: أَنَا كَتَبْت كِتَابَ ابْنِ عَبَّاسٍ إلَى نَجْدَةَ، قَدْ كُنَّ يَحْضُرْنَ الْحَرْبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ، فَإِمَّا أَنْ يُضْرَبَ لَهُنَّ بِسَهْمٍ فَلَا، وَقَدْ كَانَ يَرْضَخُ لَهُنَّ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ قَالَ: شَهِدْت خَيْبَرَ مَعَ سَادَاتِي، إلَى أَنْ قَالَ: فَأَخْبَرَ أَنِّي مَمْلُوكٌ فَأَمَرَ لِي بِشَيْءٍ. وَأَمَّا مَا فِي أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ جَدَّةِ حَشْرَجَ بْنِ زِيَادَةَ أُمِّ أَبِيهِ «أَنَّهَا خَرَجَتْ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ سَادِسَةَ سِتِّ نِسْوَةٍ، فَبَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ ، فَبَعَثَ إلَيْنَا فَجِئْنَا فَرَأَيْنَا فِي وَجْهِهِ الْغَضَبَ فَقَالَ: مَعَ مَنْ خَرَجْتُنَّ؟ وَبِإِذْنِ مَنْ خَرَجْتُنَّ؟ فَقُلْنَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ خَرَجْنَا نَغْزِلُ الشَّعْرَ وَنُعِينُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَعَنَا دَوَاءٌ لِلْجَرْحَى وَنُنَاوِلُ السِّهَامَ وَنَسْقِي السَّوِيقَ، فَقَالَ: قُمْنَ حَتَّى إذَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ خَيْبَرَ أَسْهَمَ لَنَا كَمَا أَسْهَمَ لِلرِّجَالِ» وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ. وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهُ لِجَهَالَةِ رَافِعٍ وَحَشْرَجَ مِنْ رُوَاتِهِ.

وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ اسْتَطَابَ أَنْفُسَ أَهْلِ الْغَنِيمَةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يُشْبِهُ أَنَّهُ إنَّمَا أَعْطَاهُنَّ مِنْ الْخُمُسِ الَّذِي هُوَ حَقُّهُ.

هَذَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ كَوْنُ التَّشْبِيهِ فِي أَصْلِ الْعَطَاءِ، وَأَرَادَتْ بِالسَّهْمِ مَا خُصِّصَ بِهِ. وَالْمَعْنَى خَصَّنَا بِشَيْءٍ كَمَا فَعَلَ بِالرِّجَالِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَبْلُغْ بِهَؤُلَاءِ الرَّجَّالَةِ مِنْهُمْ سَهْمُ الرَّجَّالَةِ وَلَا بِالْفَارِسِ سَهْمُ الْفُرْسَانِ، لِأَنَّهُمْ أَتْبَاعٌ أُصُولٌ فِي التَّبَعِيَّةِ حَيْثُ لَمْ يَفْرِضْ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ فِي غَيْرِ النَّفِيرِ الْعَامِّ فِي غَيْرِ الصَّبِيِّ، وَيَزِيدُ الذِّمِّيَّ بِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لَهُ لِكَوْنِ الْجِهَادِ عِبَادَةً وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا.

وَمِنْ الْأُمُورِ الِاسْتِحْسَانَيْ ةِ إظْهَارُ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْمَفْرُوضِ عَلَيْهِمْ وَغَيْرِهِمْ وَالتَّبَعِ وَالْأَصْلِ بِخِلَافِ السُّوقِيِّ فِي الْعَسْكَرِ وَالْمُسْتَأْجَرِ لِخِدْمَةِ الْغَازِي إذَا قَاتَلَا حَيْثُ يَسْتَحِقَّانِ سَهْمًا كَامِلًا، وَتَسْقُطُ حِصَّتُهُ زَمَنَ الْقِتَالِ مِنْ أُجْرَةِ الْأَجِيرِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَهْلِ فَرْضِهِ فَلَمْ يَكُونَا تَبَعًا فِي حَقِّ الْحُكْمِ بَلْ فِي السَّفَرِ وَنَحْوِهِ. ثُمَّ الرَّضْخُ عِنْدَنَا مِنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ إخْرَاجِ الْخُمُسِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَفِي قَوْلٍ لَهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ مِنْ أَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ.

وَفِي

<<  <  ج: ص:  >  >>