ثُمَّ الْعَبْدُ إنَّمَا يَرْضَخُ لَهُ إذَا قَاتَلَ لِأَنَّهُ دَخَلَ لِخِدْمَةِ الْمُوَلَّى فَصَارَ كَالتَّاجِرِ، وَالْمَرْأَةُ يَرْضَخُ لَهَا إذَا كَانَتْ تُدَاوِي الْجَرْحَى، وَتَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى لِأَنَّهَا عَاجِزَةٌ عَنْ حَقِيقَةِ الْقِتَالِ فَيُقَامُ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْإِعَانَةِ مَقَامَ الْقِتَالِ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى حَقِيقَةِ الْقِتَالِ، وَالذِّمِّيُّ إنَّمَا يَرْضَخُ لَهُ إذَا قَاتَلَ أَوْ دَلَّ عَلَى الطَّرِيقِ، وَلَمْ يُقَاتِلْ لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً لِلْمُسْلِمِينَ، إلَّا أَنَّهُ يُزَادُ عَلَى السَّهْمِ فِي الدَّلَالَةِ إذَا كَانَتْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ عَظِيمَةٌ، وَلَا يَبْلُغُ بِهِ السَّهْمَ إذَا قَاتَلَ؛ لِأَنَّهُ جِهَادٌ، وَالْأَوَّلُ لَيْسَ مِنْ عَمَلِهِ وَلَا يُسَوِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ فِي حُكْمِ الْجِهَادِ.
قَوْلٍ لِلشَّافِعِيِّ ﵀: مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ، وَقَالَ مَالِكٌ ﵀: مِنْ الْخُمُسِ (ثُمَّ الْعَبْدُ إنَّمَا يُرْضَخُ لَهُ إذَا قَاتَلَ) وَكَذَا الصَّبِيُّ وَالذِّمِّيُّ لِأَنَّهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى الْقِتَالِ إذَا فُرِضَ الصَّبِيُّ قَادِرًا عَلَيْهِ فَلَا يُقَامُ غَيْرُ الْقِتَالِ فِي حَقِّهِمْ مَقَامَهُ، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا تُعْطَى بِالْقِتَالِ وَبِالْخِدْمَةِ لِأَهْلِ الْعَسْكَرِ، وَإِنْ لَمْ تُقَاتِلْ لِأَنَّهَا عَاجِزَةٌ عَنْهُ فَأُقِيمَ هَذِهِ الْمَنْفَعَةُ مِنْهَا مَقَامَهُ وَصِحَّةُ أَمَانِهَا لِثُبُوتِ شُبْهَةِ الْقِتَالِ مِنْهَا، وَالْأَمَانُ يَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ احْتِيَاطًا فِيهِ، وَلَا يَرِدُ إعْطَاءُ الذِّمِّيِّ إذَا لَمْ يُقَاتِلْ، بَلْ دَلَّ عَلَى الطَّرِيقِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ رَضْخًا بَلْ بِمَقَامِ الْأُجْرَةُ وَلِهَذَا يُزَادُ عَلَى السَّهْمِ إذَا كَانَ عَمَلُهُ ذَلِكَ تَزِيدُ قِيمَتُهُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَاتَلَ لِأَنَّهُ عَمَلُ الْجِهَادِ، وَلَا يُسَوَّى فِي عَمَلِ الْجِهَادِ بَيْنَ مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ وَيُؤْجَرُ عَلَيْهِ وَمَنْ لَا يَقْبَلُهُ اللَّهُ مِنْهُ وَلَا يُصَحِّحُهُ لَهُ فَلِذَلِكَ (لَا يَبْلُغُ بِهِ السَّهْمُ) كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ. قَالُوا: وَالسَّهْمُ مَرْفُوعٌ أَلْبَتَّةَ لِأَنَّهُ الْمَفْعُولُ بِلَا وَاسِطَةِ حَرْفٍ فَيَكُونُ هُوَ النَّائِبَ عَنْ الْفَاعِلِ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ، وَأَمَّا مَنْ يُجِيزُ إقَامَةَ الظَّرْفِ وَالْمَجْرُورِ مَعَ وُجُودِ الْمَفْعُولِ فَيُجِيزُ نَصْبَهُ وَيَكُونُ النَّائِبُ لَفَظَ بِهِ.
وَهَلْ يُسْتَعَانُ بِالْكَافِرِ عِنْدَنَا إذَا دَعَتْ الْحَاجَةُ جَازَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ﵀ وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَجَمَاعَةٌ لَا يُجَوِّزُونَ ذَلِكَ لِمَا فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ «أَنَّهُ ﵊ خَرَجَ إلَى بَدْرٍ فَلَحِقَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يُذْكَرُ مِنْهُ جُرْأَةٌ وَنَجْدَةٌ، فَقَالَ لَهُ ﵊: تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ؟ قَالَ لَا، قَالَ: ارْجِعْ فَلَنْ نَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ لَهُ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ نَعَمْ، قَالَ انْطَلِقْ» وَعَنْ حَبِيبِ بْنِ إسَافٍ قَالَ «أَتَيْت أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ قَوْمِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ يُرِيدُ غَزْوًا، فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَسْتَحِي أَنْ يَشْهَدَ قَوْمُنَا مَشْهَدًا لَا نَشْهَدُهُ مَعَهُمْ، فَقَالَ: أَتُسْلِمَانِ؟ فَقُلْنَا: لَا، فَقَالَ: إنَّا لَا نَسْتَعِينُ بِالْمُشْرِكِينَ، قَالَ: فَأَسْلَمْنَا وَشَهِدْنَا مَعَهُ. قَالَ: فَقَتَلْت رَجُلًا وَضَرَبَنِي ضَرْبَةً وَتَزَوَّجْت بِنْتَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَكَانَتْ تَقُولُ: لَا عَدِمْت رَجُلًا وَشَّحَكَ هَذَا الْوِشَاحَ، فَأَقُولُ: لَا عَدِمْت رَجُلًا عَجَّلَ أَبَاكِ إلَى النَّارِ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: «وَلَمَّا اسْتَعَانَ ﵊ بِالْيَهُودِ عَلَى الْيَهُودِ لَمْ يُعْطِهِمْ شَيْئًا مِنْ الْغَنِيمَةِ»: يَعْنِي لَمْ يُسْهِمُ لَهُمْ يُفِيدُ مُعَارَضَةَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَالْمَذْكُورُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي يُوسُفَ ﵀: أَخْبَرْنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «اسْتَعَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِيَهُودِ قَيْنُقَاعَ فَرَضَخَ لَهُمْ وَلَمْ يُسْهِمْ» وَلَكِنْ تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ عُمَارَةَ وَهُوَ مُضَعَّفٌ.
وَأَسْنَدَ الْوَاقِدِيُّ إلَى مُحَيِّصَةُ قَالَ: «وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِعَشَرَةٍ مِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ غَزَا بِهِمْ أَهْلَ خَيْبَرَ وَأَسْهَمَ لَهُمْ كَسُهْمَانِ الْمُسْلِمِينَ، وَيُقَالُ أَحَذَاهُمْ وَلَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute