(وَأَمَّا الْخُمُسُ فَيُقَسَّمُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ: سَهْمٌ لِلْيَتَامَى وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ وَسَهْمٌ لِابْنِ السَّبِيلِ يَدْخُلُ فُقَرَاءُ ذَوِي الْقُرْبَى فِيهِمْ وَيُقَدَّمُونَ، وَلَا يُدْفَعُ إلَى أَغْنِيَائِهِمْ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهُمْ خُمُسُ الْخُمُسِ يَسْتَوِي فِيهِ غَنِيُّهُمْ وَفَقِيرُهُمْ، وَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَيَكُونُ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ دُونَ غَيْرِهِمْ
يُسْهِمْ لَهُمْ».
وَأَسْنَدَ التِّرْمِذِيُّ إلَى الزُّهْرِيِّ قَالَ: «أَسْهَمَ ﵊ لِقَوْمٍ مِنْ الْيَهُودِ قَاتَلُوا مَعَهُ» وَهُوَ مُنْقَطِعٌ وَفِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ، مَعَ أَنَّ يَحْيَى بْنَ الْقَطَّانِ كَانَ لَا يَرَى مَرَاسِيلَ الزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ شَيْئًا وَيَقُولُ: هِيَ بِمَنْزِلَةِ الرِّيحِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ لَا تُقَاوِمُ أَحَادِيثَ الْمَنْعِ فِي الْقُوَّةِ فَكَيْفَ تُعَارِضُهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: «رَدُّهُ ﷺ الْمُشْرِكَ وَالْمُشْرِكِينَ كَانَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، ثُمَّ إنَّهُ ﵊ اسْتَعَانَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ بِيَهُودِ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَاسْتَعَانَ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ سَنَةَ ثَمَانٍ بِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَهُوَ مُشْرِكٌ»، فَالرَّدُّ إنْ كَانَ لِأَجْلِ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَسْتَعِينَ بِهِ وَأَنْ يَرُدَّهُ كَمَا لَهُ رَدُّ الْمُسْلِمِ الْمَعْنَى يَخَافُهُ فَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ مُخَالِفًا لِلْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ لِأَجْلِ أَنَّهُ مُشْرِكٌ فَقَدْ نَسَخَهُ مَا بَعْدَهُ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسْتَعَانَ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ إذَا خَرَجُوا طَوْعًا وَيَرْضَخُ لَهُمْ وَلَا يُسْهِمُ لَهُمْ وَلَا يَكُونُ لَهُمْ رَايَةٌ تَخُصُّهُمْ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ أَسْهَمَ لَهُمْ، وَلَعَلَّ رَدَّهُ مَنْ رَدَّهُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ رَجَاءَ أَنْ يُسْلِمَ
(قَوْلُهُ وَأَمَّا الْخُمُسُ) أَيْ الَّذِينَ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُخْرِجُهُ أَوَّلًا (فَيُقَسَّمُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ سَهْمٌ لِلْيَتَامَى وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ وَسَهْمٌ لِابْنِ السَّبِيلِ يَدْخُلُ فُقَرَاءُ ذَوِي الْقُرْبَى فِيهِمْ وَيُقَدَّمُونَ) عَلَى غَيْرِهِمْ لِأَنَّ غَيْرَهُمْ مِنْ الْفُقَرَاءِ يَتَمَكَّنُونَ مِنْ أَخْذِ الصَّدَقَاتِ، وَذَوُو الْقُرْبَى لَا تَحِلُّ لَهُمْ، هَذَا رَأْيُ الْكَرْخِيِّ، وَسَيَأْتِي رَأْيُ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يَدْخُلُ فُقَرَاءُ الْيَتَامَى مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى فِي سَهْمِ الْيَتَامَى الْمَذْكُورِينَ دُونَ أَغْنِيَائِهِمْ. وَالْيَتِيمُ صَغِيرٌ لَا أَبَ لَهُ، وَالْمَسَاكِينُ مِنْهُمْ فِي سَهْمِ الْمَسَاكِينِ، وَفُقَرَاءُ أَبْنَاءِ السَّبِيلِ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى فِي أَبْنَاءِ السَّبِيلِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَلَا فَائِدَةَ حِينَئِذٍ فِي ذِكْرِ اسْمِ الْيَتِيمِ حَيْثُ كَانَ اسْتِحْقَاقُهُ بِالْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ لَا بِالْيُتْمِ. أُجِيبُ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ دَفْعُ تَوَهُّمِ أَنَّ الْيَتِيمَ لَا يَسْتَحِقُّ مِنْ الْغَنِيمَةِ شَيْئًا لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهَا بِالْجِهَادِ وَالْيَتِيمُ صَغِيرٌ فَلَا يَسْتَحِقُّهَا، وَمِثْلُهُ مَا ذُكِرَ فِي التَّأْوِيلَاتِ لِلشَّيْخِ أَبِي مَنْصُورٍ: لَمَّا كَانَ فُقَرَاءُ ذَوِي الْقُرْبَى يَسْتَحِقُّونَ بِالْفَقْرِ فَلَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِهِمْ فِي الْقُرْآنِ. أَجَابَ بِأَنَّ أَفْهَامَ بَعْضِ النَّاسِ قَدْ تُفْضِي إلَى الْفَقِيرِ مِنْهُمْ لَا يَسْتَحِقُّ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الصَّدَقَةِ وَلَا تَحِلُّ لَهُمْ.
وَفِي التُّحْفَةِ: هَذِهِ الثَّلَاثَةُ مَصَارِفَ، الْخُمُسُ عِنْدَنَا لَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْقَاقِ حَتَّى لَوْ صُرِفَ إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَازَ كَمَا فِي الصَّدَقَاتِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لِذَوِي الْقُرْبَى خُمُسُ الْخُمُسِ يَسْتَوِي فِيهِ غَنِيُّهُمْ وَفَقِيرُهُمْ) وَبِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ قَالَ أَحْمَدُ.
وَعِنْدَ مَالِكٍ: الْأَمْرُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ إنْ شَاءَ قَسَّمَ بَيْنَهُمْ وَإِنْ شَاءَ أَعْطَى بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ وَإِنْ شَاءَ أَعْطَى غَيْرَهُمْ إنْ كَانَ أَمْرُ غَيْرِهِمْ أَهَمَّ مِنْ أَمْرِهِمْ (وَيُقَسِّمُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَيَكُونُ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ دُونَ غَيْرِهِمْ) مِنْ الْقَرَابَاتِ وَنَحْنُ نُوَافِقُهُ عَلَى أَنَّ الْقَرَابَةَ الْمُرَادَةَ هُنَا تَخُصُّ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ، فَالْخِلَافُ فِي دُخُولِ الْغَنِيِّ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى وَعَدَمِهِ. وَقَالَ الْمُزَنِيّ وَالثَّوْرِيُّ: يَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute