لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلِذِي الْقُرْبَى﴾ مِنْ غَيْرِ فَصْلِ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ.
وَلَنَا أَنَّ الْخُلَفَاءَ الْأَرْبَعَةَ الرَّاشِدِينَ قَسَّمُوهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ عَلَى نَحْوِ مَا قُلْنَاهُ وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةً. وَقَالَ ﵊ «يَا مَعْشَرَ بَنِي هَاشِمٍ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَرِهَ لَكُمْ غُسَالَةَ النَّاسِ وَأَوْسَاخَهُمْ وَعَوَّضَكُمْ مِنْهَا بِخُمُسِ الْخُمُسِ» وَالْعِوَضُ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ مَنْ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ الْمُعَوَّضُ وَهُمْ الْفُقَرَاءُ.
وَالْأُنْثَى، وَيَدْفَعُ لِلْقَاضِي وَالدَّانِي وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ النَّصِّ (لَهُ إطْلَاقٌ قَوْله تَعَالَى ﴿وَلِذِي الْقُرْبَى﴾ بِلَا فَصْلٍ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ) وَلِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُعَلَّقَ بِوَصْفٍ يُوجِبُ أَنَّ مَبْدَأَ الِاشْتِقَاقِ عِلَّةٌ لَهُ وَلَا تَفْصِيلَ فِيهَا بِخِلَافِ الْيَتَامَى فَإِنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ فِيهِمْ الْفَقْرَ مَعَ تَحَقُّقِ الْإِطْلَاقِ كَقَوْلِنَا، وَذَلِكَ لِأَنَّ اسْمَ الْيَتِيمِ يُشْعِرُ بِالْحَاجَةِ فَكَانَ مُقَيَّدًا مَعْنًى بِهَا، بِخِلَافِ ذَوِي الْقُرْبَى، ثُمَّ لَا تَنْتَفِي مُنَاسَبَتُهَا بِالْغِنَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْعُدُ كَوْنُ قَرَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ تُوجِبُ اسْتِحْقَاقَ هَذِهِ الْكَرَامَةِ (وَلَنَا أَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ قَسَّمُوهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ عَلَى نَحْوِ مَا قُلْنَا وَكَفَى بِهِمْ قُدْوَةً) ثُمَّ إنَّهُ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ أَحَدٌ مَعَ عِلْمِ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ بِذَلِكَ وَتَوَافُرِهِمْ فَكَانَ إجْمَاعًا، إذْ لَا يُظَنُّ بِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَالْكَلَامُ فِي إثْبَاتِهِ، فَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ أَنَّ «الْخُمُسَ كَانَ يُقَسَّمُ عَلَى عَهْدِهِ ﵊ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ: لِلَّهِ وَالرَّسُولِ سَهْمٌ، وَلِذِي الْقُرْبَى سَهْمٌ، وَلِلْيَتَامَى سَهْمٌ، وَلِلْمَسَاكِينِ سَهْمٌ، وَلِابْنِ السَّبِيلِ سَهْمٌ».
ثُمَّ قَسَّمَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ: سَهْمٌ لِلْيَتَامَى، وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ، وَسَهْمٌ لِابْنِ السَّبِيلِ. وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خُزَيْمَةَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: سَأَلْت أَبَا جَعْفَرَ: يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ فَقُلْت: أَرَأَيْت عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ﵁ حَيْثُ وُلِّيَ الْعِرَاقَ وَمَا وَلِيَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ كَيْفَ صَنَعَ فِي سَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى؟ قَالَ: سَلَكَ بِهِ وَاَللَّهِ سَبِيلَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقُلْت: وَكَيْفَ وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ مَا تَقُولُونَ؟ قَالَ: أَمَا وَاَللَّهِ مَا كَانَ أَهْلُهُ يَصْدُرُونَ إلَّا عَنْ رَأْيِهِ، قُلْت: فَمَا مَنَعَهُ؟ قَالَ: كَرِهَ وَاَللَّهِ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ سِيرَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ انْتَهَى. وَكَوْنُ الْخُلَفَاءِ فَعَلُوا ذَلِكَ لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ، وَبِهِ تَصِحُّ رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ عَنْ الْكَلْبِيِّ، فَإِنَّ الْكَلْبِيَّ مُضَعَّفٌ عَنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ إلَّا أَنَّهُ وَافَقَ النَّاسَ.
وَإِنَّمَا الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: لَا إجْمَاعَ بِمُخَالَفَةِ أَهْلِ الْبَيْتِ، وَحِينَ ثَبَتَ هَذَا حَكَمْنَا بِأَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَهُ لِظُهُورِ أَنَّهُ الصَّوَابُ لَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُخَالِفَ اجْتِهَادُهُ اجْتِهَادَهُمَا، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ خَالَفَهُمَا فِي أَشْيَاءَ لَمْ تُوَافِقْ رَأْيَهُ كَبَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَحِينَ وَافَقَهُمَا عَلِمْنَا أَنَّهُ رَجَعَ إلَى رَأْيِهِمَا إنْ كَانَ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَرَى خِلَافَهُ.
وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: كَانَ رَأْيُ عَلِيٍّ فِي الْخُمُسِ رَأْيَ أَهْلِ بَيْتِهِ وَلَكِنْ كَرِهَ أَنْ يُخَالِفَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ. قَالَ: وَلَا إجْمَاعَ بِدُونِ أَهْلِ الْبَيْتِ لِأَنَّا نَمْنَعُ أَنْ فِعْلَهُ كَانَ تَقِيَّةً مِنْ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ خِلَافُهُمَا، وَكَيْفَ وَفِيهِ مَنْعُ الْمُسْتَحَقِّينَ مِنْ حَقِّهِمْ فِي اعْتِقَادِهِ فَلَمْ يَكُنْ مَنْعُهُ إلَّا لِرُجُوعِهِ وَظُهُورِ الدَّلِيلِ لَهُ، وَكَذَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ أَنَّهُ كَانَ يَرَى ذَلِكَ مَحْمُولًا عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي الْأَوَّلِ كَذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَ، وَلَئِنْ لَمْ يَكُنْ رَجَعَ فَالْأَخْذُ بِقَوْلِ الرَّاشِدِينَ مَعَ اقْتِرَانِهِ بِعَدَمِ النَّكِيرِ مِنْ أَحَدٍ أَوْلَى.
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرْتُمْ لَمْ يَكُنْ سَهْمٌ مُسْتَحَقٌّ لِذَوِي الْقُرْبَى أَصْلًا لِأَنَّ الْخُلَفَاءَ لَمْ يُعْطُوهُمْ وَهُوَ الْحَقُّ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَلِفِعْلِهِ ﵊ لِأَنَّهُ أَعْطَاهُمْ بِلَا شُبْهَةٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute