للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أَنَّ الْقَرَابَةَ الْمُسْتَحَقَّةَ هِيَ الَّتِي كَانَتْ نُصْرَتَهُ، وَذَلِكَ لَا يَخُصُّ الْفَقِيرَ مِنْهُمْ، وَمِنْ الْأَغْنِيَاءِ مَنْ تَأَخَّرَ بَعْدَهُ كَالْعَبَّاسِ فَكَانَ يَجِبُ عَلَى الْخُلَفَاءِ أَنْ يُعْطُوهُمْ، وَهُوَ خِلَافُ مَا نَقَلْتُمْ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ لَمْ يُعْطُوهُمْ بَلْ حَصَرُوا الْقِسْمَةَ فِي الثَّلَاثَةِ. وَيُعَكِّرُ مَا سَيَرْوِيهِ فِي تَصْحِيحِ قَوْلِ الْكَرْخِيِّ أَنَّ عُمَرَ أَعْطَى الْفُقَرَاءَ مِنْهُمْ سَهْمًا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ إعْطَاءُ عُمَرَ بِقَيْدِ الْفَقْرِ مَرْوِيًّا، بَلْ الْمَرْوِيُّ فِي ذَلِكَ مَا فِي أَبِي دَاوُد عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: حَدَّثَنَا جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يُقَسِّمْ لِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَلَا لِبَنِي نَوْفَلٍ مِنْ الْخُمُسِ شَيْئًا كَمَا قَسَّمَ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ» قَالَ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُقَسِّمُ الْخُمُسَ نَحْوَ قَسْمِ رَسُولِ اللَّهِ ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُعْطِي قُرْبَى رَسُولِ اللَّهِ كَمَا كَانَ يُعْطِيهِمْ النَّبِيُّ ، وَكَانَ عُمَرُ يُعْطِيهِمْ وَمَنْ كَانَ بَعْدَهُ مِنْهُ. وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى سَمِعْت «عَلِيًّا قَالَ: اجْتَمَعْت أَنَا وَالْعَبَّاسُ وَفَاطِمَةُ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ عِنْدَ النَّبِيِّ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ رَأَيْت أَنْ تُوَلِّينِي حَقَّنَا مِنْ هَذَا الْخُمُسِ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَقْسِمُهُ حَيَاتَك كَيْ لَا يُنَازِعَنِي أَحَدٌ بَعْدَك فَافْعَلْ، قَالَ: فَفَعَلَ ذَلِكَ فَقَسَمْته حَيَاةَ رَسُولِ اللَّهِ ثُمَّ وِلَايَةَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى كَانَ آخِرُ سَنَةٍ مِنْ سِنِي عُمَرَ أَتَاهُ مَالٌ كَثِيرٌ، فَعَزَلَ حَقَّنَا ثُمَّ أَرْسَلَهُ إلَيَّ فَقُلْت: بِنَا الْعَامَ غِنًى وَبِالْمُسْلِمِينَ إلَيْهِ حَاجَةٌ فَارْدُدْهُ عَلَيْهِمْ، فَرَدَّهُ ثُمَّ لَمْ يَدَعْنِي إلَيْهِ أَحَدٌ بَعْدَ عُمَرَ، فَلَقِيت الْعَبَّاسَ بَعْدَمَا خَرَجْت مِنْ عِنْدِ عُمَرَ فَقَالَ: يَا عَلِيُّ حَرَمْتَنَا الْغَدَاةَ شَيْئًا لَا يَرِدُ عَلَيْنَا وَكَانَ رَجُلًا دَاهِيًا» فَهَذَا لَيْسَ فِيهِ تَقْيِيدُ الْإِعْطَاءِ بِفَقْرِ الْمُعْطَى مِنْهُمْ وَكَيْفَ وَالْعَبَّاسُ كَانَ مِمَّنْ يُعْطِي وَلَمْ يَتَّصِفْ بِالْفَقْرِ مَعَ أَنَّ الْحَافِظَ الْمُنْذِرِيَّ ضَعَّفَ هَذَا فَقَالَ: وَفِي حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يُقَسِّمْ لِذَوِي الْقُرْبَى، وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَسَّمَ لَهُمْ، وَحَدِيثُ جُبَيْرٍ صَحِيحٌ، وَحَدِيثُ عَلِيٍّ لَا يَصِحُّ انْتَهَى.

وَاَلَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ عَلَى اعْتِقَادِهِ أَنَّ الرَّاشِدِينَ لَمْ يُعْطُوا ذَوِي الْقُرْبَى بَيَانَ مَصْرِفٍ لَا اسْتِحْقَاقَ عَلَى مَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لَهُمْ مَنْعُهُمْ بَعْدَهُ ، وَذَلِكَ أَنَّ ذَوِي الْقُرْبَى وَإِنْ قُيِّدْت بِالنُّصْرَةِ الْمُوَازِرَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُمْ بَقَوْا بَعْدَهُ فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يُعْطُوهُمْ، فَلَمَّا لَمْ يُعْطُوهُمْ كَانَ الْمُرَادُ بَيَانَ أَنَّهُمْ مَصَارِفُ: أَيْ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَذْكُورِينَ مَصْرِفٌ حَتَّى جَازَ الِاقْتِصَارُ عَلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ، كَأَنْ يُعْطِيَ تَمَامَ الْخُمُسِ لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ، وَأَنْ يُعْطِيَ تَمَامَهُ لِلْيَتَامَى كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ التُّحْفَةِ فَجَازَ لِلرَّاشِدِينَ أَنْ يَصْرِفُوهُ إلَى غَيْرِهِمْ، خُصُوصًا وَقَدْ رَأَوْهُمْ أَغْنِيَاءَ مُتَمَوِّلِينَ إذْ ذَاكَ وَرَأَوْا صَرْفَهُ إلَى غَيْرِهِمْ أَنْفَعَ. وَنَقُولُ مَعَ ذَلِكَ: إنَّ الْفَقِيرَ مِنْهُمْ مَصْرِفٌ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى الْفُقَرَاءِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَيُدْفَعُ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ: إنَّهُمْ يُحْرَمُونَ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الصَّدَقَةِ بِمَنْعِ كَوْنِ الْخُمُسِ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ مَالُ اللَّهِ؛ لِأَنَّ الْجِهَادَ حَقُّهُ أَضَافَهُ إلَيْهِمْ لَا حَقٌّ لَنَا لَزِمَنَا أَدَاؤُهُ طَاعَةً لَهُ لِيَصِيرَ وَسَخًا، وَيَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِهِ أَنَّهُ صَرَفَهُ لَهُمْ فِي حَيَاتِهِ، فَلَوْ كَانَ فِيهِ مَعْنَى الصَّدَقَةِ لَمْ يَفْعَلْ، لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَى هَذَا أَنَّ مُقْتَضَاهُ كَوْنُ الْغَنِيِّ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى مَصْرِفًا غَيْرَ أَنَّ الْخُلَفَاءَ لَمْ يُعْطُوهُمْ اخْتِيَارًا مِنْهُمْ لِغَيْرِهِمْ فِي الصَّرْفِ، وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْغَنِيُّ مَصْرِفًا صَحَّ الصَّرْفُ إلَيْهِ، وَأَجْزَأَ؛ لِأَنَّ الْمَصْرِفَ مِنْ حَيْثُ إذَا صُرِفَ إلَيْهِ سَقَطَ الْوَاجِبُ بِهِ وَلَيْسَ غِنَى ذَوِي الْقُرْبَى عِنْدَهُمْ كَذَلِكَ.

هَذَا وَأَمَّا أَنَّهُ يَكُونُ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ دُونَ غَيْرِهِمْ لِأَنَّ كَوْنَهُمْ مَصَارِفَ كَانَ لِلنُّصْرَةِ فَلِمَا فِي أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ بِسَنَدِهِ إلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: أَخْبَرَنِي جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ قَالَ: «فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ سَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى فِي بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَتَرَكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>