للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ (فَأَمَّا ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْخُمُسِ فَإِنَّهُ لِافْتِتَاحِ الْكَلَامِ تَبَرُّكًا بِاسْمِهِ، وَسَهْمُ النَّبِيِّ سَقَطَ بِمَوْتِهِ كَمَا سَقَطَ الصَّفِيُّ) لِأَنَّهُ كَانَ يَسْتَحِقُّهُ بِرِسَالَتِهِ وَلَا رَسُولَ بَعْدَهُ وَالصَّفِيُّ شَيْءٌ كَانَ يَصْطَفِيهِ لِنَفْسِهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ مِثْلَ دِرْعٍ أَوْ سَيْفٍ أَوْ جَارِيَةٍ.

بَنِي نَوْفَلٍ وَبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ، فَانْطَلَقْت أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ حَتَّى أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَؤُلَاءِ بَنُو هَاشِمٍ لَا نُنْكِرُ فَضْلَهُمْ لِلْوَضْعِ الَّذِي وَضَعَك اللَّهُ فِيهِمْ، فَمَا بَالُ إخْوَانِنَا بَنِي الْمُطَّلِبِ أَعْطَيْتَهُمْ وَتَرَكَتْنَا وَقَرَابَتُنَا وَاحِدَةٌ؟ فَقَالَ : إنَّا وَبَنُو الْمُطَّلِبِ لَا نَفْتَرِقُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ، وَإِنَّمَا نَحْنُ وَهُمْ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» أَشَارَ بِهَذَا إلَى نُصْرَتِهِمْ إيَّاهُ نُصْرَةَ الْمُؤَانَسَةِ وَالْمُوَافَقَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ إذَا ذَاكَ نَصْرَ قِتَالٍ فَهُوَ يُشِيرُ إلَى دُخُولِهِمْ مَعَهُ فِي الشِّعْبِ حِينَ تَعَاقَدَتْ قُرَيْشٌ عَلَى هِجْرَانِ بَنِي هَاشِمٍ وَأَنْ لَا يُبَايِعُوهُمْ وَلَا يُنَاكِحُوهُمْ، وَالْقِصَّةُ فِي السِّيرَةِ شَهِيرَةٌ.

وَعَنْ هَذَا اسْتَحَقَّتْ ذَرَارِيِّهِمْ مَعَ أَنَّهُمْ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُمْ قِتَالٌ. وَشَرْحُ قَوْلِهِ قَرَابَتُنَا وَاحِدَةٌ: أَنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَهَذَا الْجَدُّ، أَعْنِي عَبْدَ مَنَافٍ لَهُ أَوْلَادُ هَاشِمٍ الَّذِي مِنْ ذُرِّيَّتِهِ النَّبِيُّ وَالْمُطَّلِبُ وَنَوْفَلٌ وَعَبْدُ شَمْسٍ، فَكَانَ قَرَابَةُ كُلٍّ مِنْ نَوْفَلٍ وَبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَالْمُطَّلِبِ مِنْهُ وَاحِدَةً، فَمُقْتَضَى اسْتِحْقَاقِ ذَوِي الْقُرْبَى أَنْ يَسْتَحِقَّ الْكُلُّ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَوْ يَكُونَ فُقَرَاءُ الْكُلِّ مَصَارِفَ عَلَى قَوْلِنَا، فَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ الْقَرَابَةُ الَّتِي تَحَقَّقَ مِنْهَا تِلْكَ النُّصْرَةُ السَّابِقَةُ، وَمَنْعُ الرَّاشِدِينَ لَهُمْ لَيْسَ بِنَاءً عَلَى عِلْمِهِمْ بِعَدَمِ الِاسْتِحْقَاقِ بَلْ إنَّهُمْ مَصَارِفُ وَرَأَوْا غَيْرَهُمْ أَوْلَى مِنْهُمْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا (قَوْلُهُ فَأَمَّا ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى إلَخْ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ ذَوِي الْقُرْبَى شَرَعَ يُبَيِّنُ حَالَ سَهْمِ اللَّهِ وَسَهْمِ الرَّسُولِ، فَذَكَرَ أَنَّ سَهْمَهُ وَسَهْمَ رَسُولِهِ وَاحِدٌ، فَإِنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْله تَعَالَى ﴿فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ﴾ وَلِكَذَا وَكَذَا أَنَّ لَهُ سُبْحَانَهُ سَهْمًا كَمَا لِكُلٍّ مِنْ الْأَصْنَافِ سَهْمٌ، بَلْ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى فِي افْتِتَاحِ الْكَلَامِ لِيَتَبَرَّكَ بِهِ بِذِكْرِ اسْمِهِ تَعَالَى ﴿فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾ فَسَهْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ وَاحِدٌ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: سَهْمُ اللَّهِ ثَابِتٌ يُصْرَفُ إلَى بِنَاءِ بَيْتِهِ الْكَعْبَةِ إنْ كَانَتْ قَرِيبَةً، وَإِلَّا فَإِلَى مَسْجِدِ كُلِّ بَلْدَةٍ ثَبَتَ فِيهَا الْخُمُسُ. وَدَفَعَهُ بِأَنَّ السَّلَفَ فَسَّرُوهُ بِمَا ذَكَرَ. فَإِنَّ هَذَا التَّفْسِيرَ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ .

رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ أَبِي كُرَيْبٌ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ وَرْقَاءَ عَنْ نَهْشَلٍ عَنْ الضَّحَّاكِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ ثُمَّ قَالَ: فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ مِفْتَاحُ الْكَلَامِ ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾ وَكَذَا رَوَى الْحَاكِمُ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحَنِيفَةِ فِيهِ قَالَ: هَذَا مِفْتَاحُ كَلَامِ اللَّهِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ، وَفِي غَيْرِ حَدِيثٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إذَا بَعَثَ سَرِيَّةً فَغَنِمُوا خُمُسَ الْغَنِيمَةِ فَصَرَفَ ذَلِكَ الْخُمُسَ فِي خَمْسَةٍ»، فَعَلَى قَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ تَكُونُ فِي سِتَّةٍ (قَوْلُهُ وَسَهْمُ النَّبِيِّ سَقَطَ بِمَوْتِهِ كَمَا سَقَطَ الصَّفِيُّ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَسْتَحِقُّهُ بِرِسَالَتِهِ وَلَا رَسُولَ بَعْدَهُ، وَالصَّفِيُّ شَيْءٌ كَانَ يَصْطَفِيهِ لِنَفْسِهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ مِثْلَ دِرْعٍ أَوْ سَيْفٍ أَوْ جَارِيَةٍ) قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَإِخْرَاجِ الْخُمُسِ كَمَا اصْطَفَى

<<  <  ج: ص:  >  >>