وَلِأَنَّهُ مَالٌ مَأْخُوذٌ بِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ، بِخِلَافِ الْغَنِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ بِمُبَاشَرَةِ الْغَانِمِينَ وَبِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَحَقَّ الْخُمُسَ بِمَعْنًى وَاسْتَحَقَّهُ الْغَانِمُونَ بِمَعْنًى، وَفِي هَذَا السَّبَبِ وَاحِدٌ، وَهُوَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فَلَا مَعْنَى لِإِيجَابِ الْخُمُسِ.
(وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَنَا بِأَمَانٍ وَلَهُ امْرَأَةٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَأَوْلَادٌ صِغَارٌ وَكِبَارٌ وَمَالٌ أَوْدَعَ بَعْضَهُ ذِمِّيًّا وَبَعْضَهُ حَرْبِيًّا وَبَعْضَهُ مُسْلِمًا فَأَسْلَمَ هَاهُنَا ثُمَّ ظُهِرَ عَلَى الدَّارِ فَذَلِكَ كُلُّهُ فَيْءٌ)
بَعْضِ النُّسَخِ: فِيهَا أَيْ الْأَرْضِ، وَالْجِزْيَةُ وَالْخَرَاجُ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي قَوْلِهِ كَمَا يُصْرَفُ الْخَرَاجُ، وَيُقَالُ أَجْلَى السُّلْطَانُ الْقَوْمَ وَجَلَّاهُمْ يَتَعَدَّى بِلَا هَمْزَةٍ: أَيْ أَخْرَجَهُمْ فَجَلَوْا: أَيْ خَرَجُوا، وَأَجْلَى الْقَوْمُ أَيْضًا خَرَجُوا، فَكُلٌّ مِنْ ذِي الْهَمْزَةِ وَعَدَمِهَا يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ كُلَّ مَا أُخِذَ مِنْ الْكُفَّارِ بِلَا قِتَالٍ عَنْ خَوْفٍ أَوْ أُخِذَ مِنْهُمْ لِلْكَفِّ عَنْهُمْ يُخَمَّسُ، وَمَا أُخِذَ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ كَالْجِزْيَةِ وَعُشْرِ التِّجَارَةِ وَمَالِ مَنْ مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ فَفِي الْقَدِيمِ لَا يُخَمَّسُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَفِي الْجَدِيدِ يُخَمَّسُ. وَلِأَحْمَدَ فِي الْفَيْءِ رِوَايَتَانِ الظَّاهِرُ مِنْهُمَا لَا يُخَمَّسُ، ثُمَّ هَذَا الْخُمُسُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُصْرَفُ إلَى مَنْ يُصْرَفُ إلَيْهِ خُمُسُ الْغَنِيمَةِ عِنْدَهُ عَلَى مَا مَرَّ، وَذَكَرُوا أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْجِزْيَةِ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ. قَالَ الْكَرْخِيُّ: مَا قَالَ بِهِ أَحَدٌ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ وَلَا فِي عَصْرِهِ. وَوَجْهُ قَوْلِهِ الْقِيَاسُ عَلَى الْغَنِيمَةِ بِجَامِعِ أَنَّهُ مَالٌ مَأْخُوذٌ مِنْ الْكُفَّارِ عَنْ قُوَّةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.
وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِفِعْلِهِ ﵊، فَإِنَّهُ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ وَنَصَارَى نَجْرَانَ، وَفَرَضَ الْجِزْيَةَ عَلَى أَهْلِ الْيَمَنِ عَلَى كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا، وَلَمْ يُنْقَلْ قَطُّ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ خَمَّسَهُ بَلْ كَانَ بَيْنَ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ كَانَ لَنُقِلَ وَلَوْ بِطَرِيقٍ ضَعِيفٍ عَلَى مَا قَضَتْ بِهِ الْعَادَةُ، وَمُخَالَفَةُ مَا قَضَتْ بِهِ الْعَادَةُ بَاطِلٌ فَوُقُوعُهُ بَاطِلٌ، بَلْ قَدْ وَرَدَ فِيهِ خِلَافُهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَعْفٌ، أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنٍ لِعَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ الْكِنْدِيِّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إلَى مَنْ سَأَلَهُ عَنْ مَوَاضِعِ الْفَيْءِ أَنَّهُ مَا حَكَمَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَرَآهُ الْمُؤْمِنِينَ عَدْلًا مُوَافِقًا لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ «جَعَلَ اللَّهُ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ» فَرَضَ الْأَعْطِيَةَ وَعَقَدَ لِأَهْلِ الْأَدْيَانِ ذِمَّةً بِمَا فَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْجِزْيَةِ لَمْ يَضْرِبْ فِيهَا بِخُمُسٍ وَلَا مَغْنَمٍ.
وَأَمَّا مَا فِي السُّنَنِ عَنْ عُمَرَ: كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِمَّا لَمْ يُوجِفْ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ خَالِصَةً يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ قُوتَ سَنَةٍ فَمَا بَقِيَ جَعَلَهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ عِدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَمَعْنَاهُ أَنَّ التَّصَرُّفَ فِيهَا كَانَ إلَيْهِ كَيْفَ شَاءَ، بَلْ يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَصَارِفَ بَيْتِ الْمَالِ إذْ ذَاكَ لَمْ تَكُنْ أَكْثَرَ مِنْ نَفَقَةِ الْأَئِمَّةِ وَآلَاتِ الْجِهَادِ مِنْ الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ وَنَفَقَتِهِ هُوَ ﵊ إذْ لَمْ يَكُنْ إذْ ذَاكَ قُضَاةٌ وَلَا جُسُورٌ وَلَا قَنَاطِرُ، وَأَمَّا نَفَقَةُ الْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ فَنَحْنُ نَقْطَعُ بِأَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ مَا تَحَقَّقَتْ لَهُ أَدْنَى قُدْرَةٍ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَفِي تَقْرِيرِ الْمُصَنِّفِ دَفْعُهُ وَهُوَ قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ، بِخِلَافِ الْغَنِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ بِكُلٍّ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْغَانِمِينَ وَقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتُحِقَّ الْخُمُسُ بِمَعْنًى وَاسْتُحِقَّ الْبَاقِي لِلْغَانِمِينَ بِمَعْنًى، وَفِي هَذَا السَّبَبِ وَاحِدٌ، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا) مِنْ الرُّعْبِ الْخَالِي عَنْ الْقِتَالِ فَلَمْ يَكُنْ لِأَبْعَاضِهِ مُسْتَحِقُّونَ بِجِهَتَيْنِ بَلْ اسْتِحْقَاقُهُ بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَنَا بِأَمَانٍ وَلَهُ امْرَأَةٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَأَوْلَادٌ صِغَارٌ وَكِبَارٌ وَمَالٌ أَوْدَعَ بَعْضَهُ ذِمِّيًّا وَبَعْضَهُ حَرْبِيًّا وَبَعْضَهُ مُسْلِمًا فَأَسْلَمَ هُنَا) أَيْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ (ثُمَّ ظُهِرَ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (عَلَى دَارِهِمْ فَذَلِكَ كُلُّهُ فَيْءٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute