للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى الدَّارِ فَقُتِلَ سَقَطَتْ دُيُونُهُ وَصَارَتْ الْوَدِيعَةُ فَيْئًا) أَمَّا الْوَدِيعَةُ فَلِأَنَّهَا فِي يَدِهِ تَقْدِيرًا؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُودَعِ كَيَدِهِ فَيَصِيرُ فَيْئًا تَبَعًا لِنَفْسِهِ، وَأَمَّا الدَّيْنُ فَلِأَنَّ إثْبَاتَ الْيَدِ عَلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْمُطَالَبَةِ وَقَدْ سَقَطَتْ، وَيَدُ مَنْ عَلَيْهِ أَسْبَقُ إلَيْهِ مِنْ يَدِ الْعَامَّةِ فَيَخْتَصُّ بِهِ فَيَسْقُطُ (وَإِنْ قُتِلَ وَلَمْ يُظْهَرْ عَلَى الدَّارِ فَالْقَرْضُ الْوَدِيعَةُ لِوَرَثَتِهِ) وَكَذَلِكَ إذَا مَاتَ؛ لِأَنَّ نَفْسَهُ لَمْ تَصِرْ مَغْنُومَةً فَكَذَلِكَ مَالُهُ، وَهَذَا لِأَنَّ حُكْمَ الْأَمَانِ بَاقٍ فِي مَالِهِ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى وَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ.

قَالَ: (وَمَا أَوْجَفَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ بِغَيْرِ قِتَالٍ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا يُصْرَفُ الْخَرَاجُ) قَالُوا: هُوَ مِثْلُ الْأَرَاضِي الَّتِي أَجْلَوْا أَهْلَهَا عَنْهَا وَالْجِزْيَةِ وَلَا خُمُسَ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِيهِمَا الْخُمُسُ اعْتِبَارًا بِالْغَنِيمَةِ. وَلَنَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ أَخَذَ الْجِزْيَةَ وَكَذَا عُمَرُ وَمُعَاذٌ، وَوُضِعَ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَمْ يُخَمَّسْ

أَنْ يُظْهَرَ عَلَى دَارِهِمْ كَمَا إذَا مَاتَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ مَالَهُ مَشْمُولٌ بِأَمَانِنَا مَا دَامَ فِي دَارِنَا، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَصِيرَ فَيْئًا كَمَا إذَا أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَهُ وَدِيعَةٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ ظُهِرَ عَلَى دَارِهِمْ تَكُونُ فَيْئًا وَلَا تَكُونُ يَدُ الْمُودِعِ كَيَدِهِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ.

أُجِيبَ بِالْفَرْقِ بِأَنَّ مَا فِي دَارِ الْحَرْبِ مَعْصُومٌ مِنْ وَجْهٍ لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَإِنَّ دَارَ الْحَرْبِ دَارُ إبَاحَةٍ لَا عِصْمَةٍ فَلَا يَصِيرُ مَعْصُومًا بِالشَّكِّ بِخِلَافِ مَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ تَثْبُتُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيَبْقَى إلَى أَنْ يَثْبُتَ الْمُزِيلُ وَهُوَ أَنْ يَصِيرَ نَفْسُهُ مَغْنُومًا وَذَلِكَ بِأَنْ يُؤْسَرَ أَوْ يُظْهَرَ عَلَى دَارِهِ فَيُقْتَلَ فَحِينَئِذٍ تَصِيرُ الْوَدِيعَةِ فَيْئًا لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ تُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ تَقْدِيرًا، فَإِذَا غُنِمَ غُنِمَتْ، بِخِلَافِ مَا لَهُ مِنْ الْوَدِيعَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ عِنْدَ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي يَدِهِ كَذَلِكَ بَلْ مِنْ وَجْهٍ كَمَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ.

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا يَخْتَصُّ بِهَا الْمُودِعُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الدَّيْنِ، وَأَمَّا الدَّيْنُ فَيَسْقُطُ عَمَّنْ فِي ذِمَّتِهِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ يَدِهِ عَلَيْهِ مُنْتَفٍ إذْ قَدْ صَارَ مِلْكًا لِلْمَدْيُونِ، وَإِنَّمَا هِيَ ثَابِتَةٌ بِاعْتِبَارِ ثُبُوتِ حَقِّ الْمُطَالَبَةِ وَقَدْ سَقَطَتْ بِاسْتِغْنَامِهِ فَيَسْقُطُ الدَّيْنُ. وَإِذَا حَقَّقْتَ هَذَا ظَهَرَ لَك أَنَّ اخْتِصَاصَ الْمَدْيُونِ بِهِ ضَرُورِيٌّ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى تَعْلِيلِهِ بِأَنَّهُ سَبَقَتْ يَدُهُ إلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: وَمَا أَوْجَفَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ بِغَيْرِ قِتَالٍ) أَيْ مَا أَعْمَلُوا خَيْلَهُمْ وَرِكَابَهُمْ فِي تَحْصِيلِهِ بِلَا قِتَالٍ. وَالْوَجْفُ وَالْوَجِيفُ ضَرْبٌ مِنْ سَيْرِ الْإِبِلِ وَالْخَيْلِ، وَيُقَالُ وَجَفَ الْبَعِيرُ وَجْفًا وَوَجِيفًا، وَأَوْجَفْتُهُ إذَا حَمَلْته عَلَى الْوَجِيفِ (يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا يُصْرَفُ الْخَرَاجِ) وَكَذَا الْجِزْيَةُ فِي عُمَارَةِ الْقَنَاطِرِ وَالْجُسُورِ وَسَدِّ الثُّغُورِ وَكَرْيِ الْأَنْهَارِ الْعِظَامِ الَّتِي لَا مِلْكَ لِأَحَدٍ فِيهَا كَجَيْحُونَ وَالْفُرَاتِ وَدِجْلَةَ، وَإِلَى أَرْزَاقِ الْقُضَاةِ وَالْمُحْتَسَبِينَ وَالْمُعَلِّمِينَ وَالْمُقَاتِلَةِ وَحِفْظِ الطَّرِيقِ مِنْ اللُّصُوصِ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ وَلَا شَيْءَ مِنْهُ أَحَدٌ. (قَالُوا: هُوَ مِثْلُ الْأَرَاضِي الَّتِي أَجْلَوْا أَهْلَهَا عَنْهَا وَالْجِزْيَةِ وَلَا خُمُسَ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِيهِمَا)

وَفِي

<<  <  ج: ص:  >  >>