فَتُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ مِنْ وَقْتِ وُجُوبِهِ.
وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ فَإِذَا وُضِعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ فَهُوَ ذِمِّيٌّ تَصْرِيحٌ بِشَرْطِ الْوَضْعِ فَيَتَخَرَّجُ عَلَيْهِ أَحْكَامٌ جَمَّةٌ فَلَا تَغْفُلْ عَنْهُ.
(وَإِذَا دَخَلَتْ حَرْبِيَّةٌ بِأَمَانٍ فَتَزَوَّجَتْ ذِمِّيًّا صَارَتْ ذِمِّيَّةً)؛ لِأَنَّهَا الْتَزَمَتْ الْمُقَامَ تَبَعًا لِلزَّوْجِ (وَإِذَا دَخَلَ حَرْبِيٌّ بِأَمَانٍ فَتَزَوَّجَ ذِمِّيَّةً لَمْ يَصِرْ ذِمِّيًّا)؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَيَرْجِعُ إلَى بَلَدِهِ فَلَمْ يَكُنْ مُلْتَزِمًا الْمُقَامَ.
(وَلَوْ أَنَّ حَرْبِيًّا دَخَلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ ثُمَّ عَادَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَتَرَكَ وَدِيعَةً عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِمْ فَقَدْ صَارَ دَمُهُ مُبَاحًا بِالْعَوْدِ)؛ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ أَمَانَهُ (وَمَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مِنْ مَالِهِ عَلَى خَطَرٍ، فَإِنْ أُسِرَ أَوْ ظُهِرَ
مُحَمَّدٍ، فَإِنَّهَا وَظِيفَةٌ مُسْتَمِرَّةٌ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ تَصِيرُ خَرَاجِيَّةً فَتُؤْخَذُ مِنْهُ جِزْيَةُ سَنَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ مِنْ وَقْتِ وَضْعِ الْخَرَاجِ، وَتَثْبُتُ أَحْكَامُ الذِّمِّيِّ فِي حَقِّهِ مِنْ مَنْعِ الْخُرُوجِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَجَرَيَانِ الْقِصَاصِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ وَضَمَانِ الْمُسْلِمِ قِيمَةَ خَمْرِهِ وَخِنْزِيرِهِ إذَا أَتْلَفَهُ، وَوُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَيْهِ إذَا قَتَلَهُ خَطَأً، وَوُجُوبِ كَفِّ الْأَذَى عَنْهُ، فَتَحْرُمُ غَيْبَتُهُ كَمَا تَحْرُمُ غَيْبَةُ الْمُسْلِمِ فَضْلًا عَمَّا يَفْعَلُهُ السُّفَهَاءُ مِنْ صَفْعِهِ وَشَتْمِهِ فِي الْأَسْوَاقِ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا.
وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ الْجَمَّةُ الَّتِي نَبَّهَ عَلَيْهَا الْمُصَنِّفُ وَالْجَمُّ الْكَثِيرُ، وَالْمُرَادُ بِوَضْعِ الْخَرَاجِ إلْزَامُهُ بِهِ، وَأَخْذُهُ مِنْهُ عِنْدَ حُلُولِ وَقْتِهِ، وَمُنْذُ بَاشَرَ السَّبَبَ وَهُوَ زِرَاعَتُهَا أَوْ تَعْطِيلُهَا مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهَا إذَا كَانَتْ فِي مِلْكِهِ أَوْ زِرَاعَتُهَا بِالْإِجَارَةِ وَهِيَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ إذَا كَانَ خَرَاجَ مُقَاسَمَةٍ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ لَا مِنْ الْمَالِكِ فَيَصِيرُ بِهِ ذِمِّيًّا، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ الَّتِي اسْتَأْجَرَهَا خَرَاجُهَا عَلَى مَالِكِهَا فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا إذَا دَخَلَ وَقْتُ الْأَخْذِ؛ لِعَدَمِ الْأَخْذِ مِنْهُ. وَكَذَا إذَا أُخِذَ مِنْهُ الْعُشْرُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَلَا يُظَنُّ بِوَضْعِ الْإِمَامِ وَتَوْظِيفِهِ أَنْ يَقُولَ وَظَّفْت عَلَى هَذِهِ الْأَرْضِ الْخَرَاجَ وَنَحْوَهُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ قَطُّ لَا يَقُولُ فِي كُلِّ قِطْعَةِ أَرْضٍ كَذَلِكَ، بَلْ الْخَرَاجُ مِنْ حِينِ اسْتَقَرَّ وَظِيفَةً لِلْأَرَاضِيِ الْمَعْلُومَةِ اسْتَمَرَّ عَلَى كُلِّ مَنْ صَارَتْ إلَيْهِ. نَعَمْ لَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا بِمُجَرَّدِ شِرَائِهَا كَمَا قِيلَ؛ لِأَنَّهُ بِهِ الْتَزَمَهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ لِجَوَازِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِلتِّجَارَةِ فَلَا يُحْكَمُ بِالذِّمَّةِ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِهِ حَتَّى يَزُولَ هَذَا الِاحْتِمَالُ بِاسْتِمْرَارِهَا فِي يَدِهِ حَتَّى يُؤْخَذَ مِنْهُ الْخَرَاجُ بِتَعْطِيلِهَا أَوْ زِرَاعَتِهَا.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا دَخَلَتْ حَرْبِيَّةٌ دَارَنَا بِأَمَانٍ فَتَزَوَّجَتْ ذِمِّيًّا صَارَتْ ذِمِّيَّةً) فَفِي تَزَوُّجِهَا مُسْلِمًا أَوْلَى، وَعَكْسُهُ مَا لَوْ دَخَلَ حَرْبِيٌّ فَتَزَوَّجَ ذِمِّيَّةً لَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا كَمَا قَالَ بِهِ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ فِي الْحَرْبِيَّةِ أَيْضًا قِيَاسًا عَلَى الرَّجُلِ، وَنَحْنُ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بِأَنَّ تَزَوُّجَهُ لَيْسَ دَلَالَةَ الْتِزَامِهِ الْمَقَامَ، فَإِنَّ فِي يَدِهِ طَلَاقَهَا وَالْمُضِيَّ عَنْهَا بِخِلَافِهَا، فَحِينَ أَقْدَمَتْ عَلَيْهِ كَانَتْ مُلْتَزِمَةً بِمَا يَأْتِي مِنْهُ، وَمِنْهُ عَدَمُ الطَّلَاقِ وَمَنْعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى دَارِهَا فَتَصِيرُ ذِمِّيَّةً فَيُوضَعُ الْخَرَاجُ عَلَى أَرْضِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَنَّ حَرْبِيًّا دَخَلَ دَارَنَا بِأَمَانٍ ثُمَّ عَادَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَتَرَكَ وَدِيعَةً عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِمْ فَقَدْ صَارَ دَمُهُ مُبَاحًا بِالْعَوْدِ وَمَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مِنْ مَالِهِ) لَهُ مَا دَامَ حَيًّا، وَإِنْ مَاتَ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ، وَكَذَا إذَا قُتِلَ مِنْ غَيْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute