للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: (وَمَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا فَهِيَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مُعْتَبَرَةٌ بِحَيِّزِهَا، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَيِّزِ أَرْضِ الْخَرَاجِ) وَمَعْنَاهُ بِقُرْبِهِ (فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ)، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَيِّزِ أَرْضِ الْعُشْرِ فَهِيَ عُشْرِيَّةٌ

الْقُدُورِيِّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إلَى آخِرِهِ، وَهُنَا الْمُخَالَفَةُ ظَاهِرَةٌ؛ فَإِنَّ قَوْلَ الْقُدُورِيِّ: كُلُّ أَرْضٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً فَأُقِرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا فَهِيَ أَرْضُ خَرَاجٍ مُطْلَقٍ، فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَصِلَ إلَيْهَا مَاءُ الْأَنْهَارِ أَوْ لَا يَصِلُ بِأَنْ اُسْتُنْبِطَ فِيهَا عَيْنٌ، وَلَفْظُ الْجَامِعِ قَيَّدَ خَرَاجِيَّتَهَا بِأَنْ يَصِلَ إلَيْهَا مَاءُ الْأَنْهَارِ، وَنَحْنُ نَقْطَعُ أَنَّ الْأَرْضَ الَّتِي أُقِرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا لَوْ كَانَتْ تُسْقَى بِعَيْنٍ أَوْ بِمَاءِ السَّمَاءِ لَمْ تَكُنْ إلَّا خَرَاجِيَّةً؛ لِأَنَّ أَهْلَهَا كُفَّارٌ. وَالْكُفَّارُ لَوْ انْتَقَلَتْ إلَيْهِمْ أَرْضٌ عُشْرِيَّةٌ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعُشْرِيَّةَ قَدْ تُسْقَى بِعَيْنٍ أَوْ بِمَاءِ السَّمَاءِ لَا تَبْقَى عَلَى الْعُشْرِيَّةِ بَلْ تَصِيرُ خَرَاجِيَّةً فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، فَكَيْفَ يُبْتَدَأُ الْكَافِرُ بِتَوْظِيفِ الْعُشْرِ، ثُمَّ كَوْنُهَا عُشْرِيَّةً عِنْدَ مُحَمَّدٍ إذَا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ كَذَلِكَ، أَمَّا فِي الِابْتِدَاءِ فَهُوَ أَيْضًا يَمْنَعُهُ، وَالْعِبَارَةُ الَّتِي نَقَلَهَا عَنْ الْجَامِعِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لَيْسَتْ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ. فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: مُحَمَّدٌ عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ: كُلُّ أَرْضٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً بِالْقِتَالِ فَصَارَتْ أَرْضَ خَرَاجٍ، وَكُلُّ شَيْءٍ يَصِلُ إلَيْهَا مَاءُ الْأَنْهَارِ فَهِيَ أَرْضُ خَرَاجٍ، وَكُلُّ شَيْءٍ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا مَاءُ الْأَنْهَارِ فَاسْتُخْرِجَ فِيهِ عَيْنٌ فَهِيَ أَرْضُ عُشْرٍ وَالْأَرَاضِي الَّتِي أَسْلَمَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا فَهِيَ أَرْضُ عُشْرٍ. فَقَوْلُهُ: وَكُلُّ شَيْءٍ يَصِلُ إلَيْهَا مَاءُ الْأَنْهَارِ فَهِيَ أَرْضُ خَرَاجٍ عَطْفٌ عَلَى كُلِّ أَرْضٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً، وَالْعَطْفُ يُوجِبُ الْمُغَايَرَةَ فَيَصِيرُ الْمَعْنَى: وَكُلُّ أَرْضٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً صَارَتْ أَرْضَ خَرَاجٍ، وَكُلُّ أَرْضٍ لَمْ تُفْتَحْ عَنْوَةً وَوَصَفَهَا أَنَّهَا يَصِلُ إلَيْهَا مَاءُ الْأَنْهَارِ فَهِيَ أَرْضُ خَرَاجٍ.

وَحَاصِلُهُ تَقْسِيمُ أَرْضِ الْخَرَاجِ إلَى مَا يُفْتَحُ عَنْوَةً، وَإِلَى مَا لَمْ يُفْتَحْ عَنْوَةً لَكِنَّهَا تُسْقَى بِمَاءِ الْأَنْهَارِ. نَعَمْ يَجِبُ تَقْيِيدُ الْأَوَّلِ بِأَنْ يُقَرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا بِالضَّرُورَةِ، وَكَأَنَّ هَذَا مَعْلُومٌ، إذْ لَا يَبْتَدِئُ الْمُسْلِمُ فِي أَوَّلِ الْفَتْحِ قَطُّ بِتَوْظِيفِ الْخَرَاجِ فِي الْأَرَاضِي الْمَقْسُومَةِ كَمَا يَجِبُ تَقْيِيدُ الْأَنْهَارِ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ خَرَاجِيَّةً مَا لَمْ تَكُنْ حَوْلَهَا الْأَنْهَارُ الْعِظَامُ كَالنِّيلِ وَالْفُرَاتِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّتِي فُتِحَتْ عَنْوَةً إنْ أُقِرَّ الْكُفَّارُ عَلَيْهَا لَا يُوَظَّفُ عَلَيْهِمْ إلَّا الْخَرَاجُ، وَلَوْ سُقِيَتْ بِمَاءِ الْمَطَرِ، وَإِنْ قُسِّمَتْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لَا يُوَظَّفُ إلَى الْعُشْرِ، وَإِنْ سُقِيَتْ بِمَاءِ الْأَنْهَارِ، وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَبِالضَّرُورَةِ يُرَادُ الْأَرْضُ الَّتِي أَحْيَاهَا مُحْيٍ، فَإِنَّ الَّتِي فُتِحَتْ عَنْوَةً مِمَّا يُبْتَدَأُ فِيهَا التَّوْظِيفُ غَيْرَ الْمَقْسُومَةِ، وَالْمُقَرَّرِ أَهْلُهَا عَلَيْهَا لَيْسَ إلَّا الْمَوَاتَ الَّتِي أُحْيِيَتْ، وَيَصِيرُ الْمَعْنَى كُلُّ أَرْضٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً صَارَتْ أَرْضَ خَرَاجٍ إذَا أَقَامَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا، وَكُلُّ أَرْضٍ لَمْ تُفْتَحْ عَنْوَةً بَلْ أَحْيَاهَا مُسْلِمٌ إنْ كَانَ صِفَتُهَا أَنَّهَا يَصِلُ إلَيْهَا مَاءُ الْأَنْهَارِ فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ أَوْ مَاءُ عَيْنٍ وَنَحْوُهُ فَعُشْرِيَّةٌ، وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَوْ شَرَحَهُ هَكَذَا اسْتَغْنَى بِهِ عَنْ ذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَلِيهِ فَإِنَّهَا هِيَ. وَحَاصِلُهَا أَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ فِيمَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً بِبِئْرٍ حَفَرَهَا أَوْ عَيْنٍ اسْتَخْرَجَهَا أَوْ مَاءٍ دِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ أَوْ بَاقِي الْأَنْهَارِ الْعِظَامِ الَّتِي لَا يَمْلِكُهَا أَحَدٌ أَوْ بِالْمَطَرِ فَهِيَ عُشْرِيَّةٌ، وَإِنْ أَحْيَاهَا بِمَاءِ الْأَنْهَارِ الَّتِي شَقَّتْهَا الْأَعَاجِمُ مِثْلَ نَهْرِ الْمَلِكِ وَنَهْرِ يَزْدَجْرِدْ وَهُوَ مِلْكٌ مِنْ الْعَجَمِ فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي مِثْلِهِ لِلْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ السَّبَبُ لِنَمَاءِ الْأَرْضِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَوْظِيفُ الْخَرَاجِ عَلَى الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً كَرْهًا فَيُعْتَبَرُ السَّقْيُ؛ لِأَنَّ السَّقْيَ بِمَاءِ الْخَرَاجِ دَلَالَةٌ عَلَى الْتِزَامِهِ فَتَصِيرُ خَرَاجِيَّةً عَلَيْهِ.

(وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تُعْتَبَرُ بِحَيِّزِهَا) أَيْ بِمَا يَقْرَبُ مِنْهَا (فَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَيِّزِ أَرْضِ الْخَرَاجِ: أَيْ بِقُرْبِهِ فَخَرَاجِيَّةٌ أَوْ أَرْضِ الْعُشْرِ فَعُشْرِيَّةٌ)؛ لِأَنَّ الْقُرْبَ مِنْ أَسْبَابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>