قَالُوا: مَنْ انْتَقِلْ إلَى أَخَسِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ خَرَاجُ الْأَعْلَى؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي ضَيَّعَ الزِّيَادَةَ، وَهَذَا يُعْرَفُ وَلَا يُفْتَى بِهِ كَيْ لَا يَتَجَرَّأَ الظَّلَمَةُ عَلَى أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ.
(وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْخَرَاجِ أُخِذَ مِنْهُ الْخَرَاجُ عَلَى حَالِهِ)؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ فَيُعْتَبَرُ مُؤْنَةً فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ فَأَمْكَنَ إبْقَاؤُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ (وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْمُسْلِمُ أَرْضَ الْخَرَاجِ مِنْ الذِّمِّيِّ وَيُؤْخَذَ مِنْهُ الْخَرَاجُ لِمَا قُلْنَا)، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الصَّحَابَةَ اشْتَرَوْا أَرَاضِيَ الْخَرَاجِ وَكَانُوا يُؤَدُّونَ خَرَاجَهَا،
الْجَاهِلِ. وَلَوْ وَقَعَ الْبَيْعُ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ فَإِنْ بَقِيَ مِنْهَا قَدْرُ مَا يَتَمَكَّنُ الْمُشْتَرِي مِنْ الزِّرَاعَةِ فَالْخَرَاجُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا عَلَى الْبَائِعِ، وَمَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَدْفَعُ لِلْعَاجِزِ كِفَايَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ قَرْضًا لِيَعْمَلَ فِيهَا صَحِيحٌ أَيْضًا.
وَمِنْ فُرُوعِ ذَلِكَ: (مَا إذَا انْتَقَلَ إلَى أَخَسِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ) بِأَنْ كَانَتْ مَثَلًا تَزْرَعُ الْكَرْمَ فَزَرَعَهَا حُبُوبًا (أُخِذَ مِنْهُ خَرَاجُ الْأَعْلَى) وَهُوَ الْكَرْمُ (لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي ضَيَّعَ الزِّيَادَةَ) عَلَى الْمُسْلِمِينَ قَالُوا: لَا يُفْتَى بِهَذَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَسَلُّطِ الظَّلَمَةِ عَلَى أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ إذْ يَدَّعِي كُلُّ ظَالِمٍ أَنَّ أَرْضَهُ تَصْلُحُ لِزِرَاعَةِ الزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِهِ وَعِلَاجُهُ صَعْبٌ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْخَرَاجِ أُخِذَ مِنْهُ الْخَرَاجُ عَلَى حَالِهِ) وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ يَسْقُطُ عَنْهُ الْخَرَاجُ، وَكَذَا لَوْ بَاعَهَا مِنْ مُسْلِمٍ يَجُوزُ الْبَيْعُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِمَالِكٍ فِي رِوَايَةٍ، وَعَلَى رِوَايَةِ الْجَوَازِ يَسْقُطُ الْخَرَاجُ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الذُّلِّ وَالصَّغَارِ وَهُوَ غَيْرُ لَائِقٍ بِالْمُسْلِمِ. وَقَوْلُهُ: (لِمَا قُلْنَا) مِنْ أَنَّ فِيهِ الْمُؤْنَةَ، وَالْمُسْلِمُ مِنْ أَهْلِ الْمُؤْنَةِ كَالْعُشْرِ، وَالْأَرْضُ لَا تَخْلُو مِنْهَا، فَإِبْقَاءُ مَا تَقَرَّرَ وَاجِبًا أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ وَضْعَ عُمَرَ ﵁ بِمُوَافَقَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مَا كَانَ إلَّا لِيَجِدَ الَّذِينَ يَجِيئُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ أَهْلِ الْفَتْحِ مَا يَسُدُّ حَاجَتَهُمْ، وَفَتْحُ هَذَا الْبَابِ يُؤَدِّي إلَى فَوَاتِ هَذَا الْمَقْصُودِ، فَإِنَّ الْإِسْلَامَ غَيْرُ بَعِيدٍ بَعْدَ مُخَالَطَةِ الْمُسْلِمِينَ وَمَعْرِفَةِ مَحَاسِنِهِ أَوْ تَقِيَّةٍ مِنْ الْكُلْفَةِ وَتَجَشُّمِ الْمَشَاقِّ فِي الزِّرَاعَةِ ثُمَّ دَفْعِ نَحْوِ النِّصْفِ لِلْغَيْرِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ: (وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الصَّحَابَةَ اشْتَرَوْا أَرَاضِيَ الْخَرَاجِ وَكَانُوا يُؤَدُّونَ خَرَاجَهَا) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: قَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْقَوْلُ مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَانَ لِابْنِ مَسْعُودٍ وَخَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ وَالْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ وَلِشُرَيْحٍ أَرْضُ الْخَرَاجِ فَدَلَّ عَلَى انْتِفَاءِ كَرَاهَةِ تَمَلُّكِهَا. حَدَّثَنَا مُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ فَرْقَدٍ السُّلَمِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ﵁: إنِّي اشْتَرَيْت أَرْضًا مِنْ أَرْضِ السَّوَادِ، فَقَالَ: عُمَرُ: أَنْتَ فِيهَا مِثْلُ صَاحِبِهَا. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَسْلَمَتْ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ نَهْرِ الْمَلِكِ، فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ﵁: إنْ اخْتَارَتْ أَرْضَهَا، وَأَدَّتْ مَا عَلَى أَرْضِهَا مِنْ الْخَرَاجِ فَخَلُّوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَرْضِهَا، وَإِلَّا فَخَلُّوا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ أَرْضِهِمْ.
وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ أَنَّ دِهْقَانَةً مِنْ أَرْضِ نَهْرِ الْمَلِكِ أَسْلَمَتْ، فَقَالَ عُمَرُ: ادْفَعُوا إلَيْهَا أَرْضَهَا تُؤَدِّي عَنْهَا الْخَرَاجَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا: حَدَّثَنَا هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ شَيْبَانَ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ زُبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ أَنَّ دِهْقَانًا أَسْلَمَ عَلَى عَهْدِ عَلِيٍّ ﵁
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute