للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ الشِّرَاءِ وَأَخْذِ الْخَرَاجِ وَأَدَائِهِ لِلْمُسْلِمِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ (وَلَا عُشْرَ فِي الْخَارِجِ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ مُخْتَلِفَانِ وَجَبَا فِي مَحِلَّيْنِ بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَلَا يَتَنَافَيَانِ. وَلَنَا قَوْلُهُ «لَا يَجْتَمِعُ عُشْرٌ وَخَرَاجٌ فِي أَرْضِ مُسْلِمٍ»،

فَقَالَ عَلِيٌّ: إنْ أَقَمْت فِي أَرْضِك رَفَعْنَا عَنْك الْخَرَاجَ عَنْ رَأْسِك، وَأَخَذْنَاهَا مِنْ أَرْضِك، وَإِنْ تَحَوَّلْت عَنْهَا فَنَحْنُ أَحَقُّ بِهَا.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِي عَوْنٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ قَالَا: إذَا أَسْلَمَ وَلَهُ أَرْضٌ وَضَعْنَا عَنْهُ الْجِزْيَةَ، وَأَخَذْنَا خَرَاجَهَا. قَالَ الْمُصَنِّفُ (فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ الشِّرَاءِ، وَأَخْذِ الْخَرَاجِ، وَأَدَائِهِ لِلْمُسْلِمِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ) وَصَرَّحَ فِي كَافِي الْحَاكِمِ بِنَفْيِ الْكَرَاهَةِ. قِيلَ: وَلَوْ قَالَ مِنْ الْمُسْلِمِ كَانَ أَوْلَى، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى تَعْلِيقِهِ بِلَفْظِ أَخَذَ وَهُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ، فَإِنَّ الْأَخْذَ يَقُومُ بِالْإِمَامِ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ إفَادَةَ أَنَّهُ هَلْ يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَخْذُ الْخَرَاجِ مِنْ الْمُسْلِمِ، بَلْ الْمَقْصُودُ إفَادَةُ حُكْمِ شِرَاءِ الْمُسْلِمِ الْأَرْضَ الْخَرَاجِيَّةَ وَتَعَرُّضَهُ بِذَلِكَ لِلْأَخْذِ مِنْهُ، هَلْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ أَوْ لَا؟ فَيَجِبُ لَفْظُ لِلْمُسْلِمِ لِيَتَعَلَّقَ بِالشِّرَاءِ فِي قَوْلِهِ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ الشِّرَاءِ لِلْمُسْلِمِ وَعَدَمِ الْكَرَاهَةِ، لَا كَمَا يَقُولُ بَعْضُ الْمُتَقَشِّفَةِ عَلَيْهِمْ وَرَحِمَنَا بِهِمْ مِنْ كَرَاهَةِ ذَلِكَ؛ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ رَأَى شَيْئًا مِنْ آلَاتِ الْحِرَاثَةِ فَقَالَ: مَا دَخَلَ هَذَا بَيْتَ قَوْمٍ إلَّا ذَلُّوا» ظَنَّا مِنْهُمْ أَنَّ الذُّلَّ بِالْتِزَامِ الْخَرَاجِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ إذَا اشْتَغَلُوا بِالزِّرَاعَةِ وَاتَّبَعُوا أَذْنَابَ الْبَقَرِ قَعَدُوا عَنْ الْغَزْوِ فَكَّرَ عَلَيْهِمْ عَدُوُّهُمْ فَجَعَلُوهُمْ أَذِلَّةً لَا مَا ذَكَرُوهُ، إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ الْتِزَامُ مَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَكَفَّلَ بِجِزْيَةِ ذِمِّيٍّ جَازَ بِلَا كَرَاهَةٍ (قَوْلُهُ: وَلَا عُشْرَ فِي الْخَارِجِ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ)

وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ (يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ مُخْتَلِفَانِ) ذَاتًا، فَإِنَّ الْعُشْرَ مُؤْنَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَالْخَرَاجُ مُؤْنَةٌ فِيهَا مَعْنَى الْعُقُوبَةِ، وَمَحِلًّا فَإِنَّ الْعُشْرَ فِي الْخَارِجِ، وَالْخَرَاجُ فِي الذِّمَّةِ، وَسَبَبًا؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْعُشْرِ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ بِالْخَارِجِ تَحْقِيقًا، وَسَبَبُ الْخَرَاجِ الْأَرْضُ النَّامِيَةِ بِهِ تَقْدِيرًا وَمَصْرِفًا، فَمَصْرِفُ الْعُشْرِ الْفُقَرَاءُ، وَمَصْرِفُ الْخَرَاجِ الْمُقَاتِلَةُ وَقَدْ تَحَقَّقَ سَبَبُ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ فَيَجِبَانِ كَوُجُوبِ الدَّيْنِ مَعَ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَلَنَا قَوْلُهُ: «لَا يَجْتَمِعُ عُشْرٌ وَخَرَاجٌ فِي أَرْضِ مُسْلِمٍ») وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ ذَكَرَهُ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَنْبَسَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «لَا يَجْتَمِعُ عَلَى مُسْلِمٍ خَرَاجٌ وَعُشْرٌ»

<<  <  ج: ص:  >  >>